حسان الطيار يكتب: عرفته منذ نعومة أظافري، طفل في منزل والدي وأعمامي. وترجل فارس الحديث الشريف أ.د. خليل ملا خاطر

أراه بينهم فلا أحسبه إلا عماً لي من أعمامي، وأرى تكريمه وتوقيره منهم فأحسبه الأخ الأكبر لهم.
إذا تحدث أنصت الجميع للدرر التي تتلألأ من فمه، وإذا خاض في الحديث النبوي الشريف حسبته أحد رواة الحديث الست رحمهم الله من غزارة علمه.
رجل بكل ما تحمل الكلمة من معاني سامية، دمث الأخلاق، عالي التهذب، تنظر إليه فلا تمل رؤيته، وإن نظرت إلى عينيه وجدت فيهما الهيبة والحدة أعلاها، رؤوفاً في تعامله، حاداً في الحق، لا تجد فيه ميلاً للنفس ولا ميلاناً للهوى.
هكذا عرفت إمام أهل الحديث الشريف، العالم الأمجد، الأستاذ الدكتور خليل ملا خاطر، وعلى ذلك رحل بالأمس.
ولد فضيلة الإمام الشيخ الأستاذ الدكتور خليل بن إبراهيم بن مُلَّا خاطر العزَّامي الحسيني نسباً في مدينة دير الزور السورية يوم السبت 15 شعبان 1357هـ الموافق 8 أكتوبر 1938م، لأسرة علمية عريقة من جهة أبيه وأمه. فجده لأبيه هو الإمام الشيخ ملا خاطر، من العلماء القراء، انقطع لإقراء القرآن الكريم أكثر من أربعين سنة، وجده لوالدته هو الشيخ وَيْس بن الشيخ أحمد الكبير، من شيوخ السلطان عبدالحميد الثاني) ومن علماء الفرات المعدودين.
حفظ القرآن الكريم صغيراً على جده وتخرج بشيوخ مدينته دير الزور، ومن أشهرهم: الشيخ محمد سعيد المفتي، والذي قرأ عليه في الفقه الشافعي ثم الحنفي وفي النحو والصرف والبلاغة والعروض والمنطق والتجويد والفرائض) ولازمه أكثر من عشر سنوات.
انتقل بعدها إلى دمشق للدراسة في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وحصل منها على درجة الليسانس (البكالوريوس)، وأخذ خارج الجامعة عن عدد من علماء دمشق من أشهرهم: عبدالوهاب الحافظ، ومحمد سعيد البرهاني، ومحمد الهاشمي التلمساني، ثم غادر إلى مصر والتحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، فحصل منها على درجتي الماجستير، ثم الدكتوراه، في تخصص علوم الحديث الشريف.
قدم إلى المملكة العربية السعودية عام 1386هـ الموافق 1966م للعمل في التعليم الجامعي، فدرَّس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض قرابة 13 عاماً، ثم انتقل إلى المدينة النبوية المنورة عام 1399هـ الموافق 1979م للتدريس في المعهد العالي للدعوة الإسلامية (كلية الدعوة حالياً) بقسم الدراسات العليا، ثم عاد إلى الرياض للتدريس في الدراسات العليا من قسم السنة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
في عام 1405هـ الموافق 1984م، عاد إلى المدينة النبوية المنورة، أستاذاً للحديث النبوي الشريف وعلومه في كلية التربية بفرع جامعة الملك عبدالعزيز، حتى أنهى عمله التعليمي أستاذاً للحديث الشريف في جامعة طيبة بالمدينة النبوية المنورة.
أشرف رحمه الله ورضي عنه على عدد كبير من الرسائل الجامعية لمرحلتي الماجستير والدكتوراه، وناقش عدداً كبيراً منها، وأسهم في تحكيم البحوث المقدمة للترقيات العلمية، والمجلات العلمية المحكَّمة، وظل لعقود -حتى توفاه الله- مستشاراً للهيئة التأسيسية للإعجاز العلمي في رابطة العالم الإسلامي.
توفي رحمه الله ورضي عنه في المدينة النبوية المنورة عن عمر 84 عاماً، قبل فجر يوم الجمعة 17 محرم 1445هـ الموافق 4 أغسطس 2023م، وصُلي عليه بعد صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف، ودُفن في بقيع الغرقد إلى جوار ضريح سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن ترك للمكتبة الإسلامية والعربية خلف أكثر من تسعين كتاباً بين تأليف وتحقيق.
رحل فارس الحديث الشريف، رجل العلم والمعرفة، قامة العلم الشرعي، وبرحيله نتذكر الحديث الذي رواه سيدنا عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا) رواه البخاري وغيره.
رحمك الله أيها الشريف النبيل، والعالم الجليل، وأثابك بخير الجزاء والثواب ورفع مقامك في عليين، وجعلك من أهل حوض وشفاعة سيد المرسلين جدنا وجدك سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

حسان الطيار

كاتب وشاعر سعودي.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون