يصفها البعض بأنها «جنة عشاق السينما.» لكنها تختلف عن الجنة في أنها حقيقة واقعية، ملموسة ومحسوسة، ويمكن اختبارها، والحكم عليها. إنها تجربة حضور المهرجان البولوني الشهير والعريق «إيل شينما ريتروفاتو» Il Cinema Ritrovato ، كما تُنطق بالإيطالية، أو مهرجان «بولونيا لإعادة اكتشاف الأفلام» المخصص لاستعادة الأفلام المجهولة، والجميلة التي لم تنل حظاً من الشهرة، وتلك الأفلام التي قامت مؤسسة «سينماتيك بولونيا» بترميمها بعد جهود مضنية لعدد من السنوات من البحث بين جميع أرشيفات العالم، ثم السير في خطوات الترميم التي قد تسستغرق أحياناً عقد بالكامل أو عدة سنوات.
بولونيا يهتم بالسينما الأفريقية
بشكل مضاعف تهمنا هذه الدورة كثيراً.. تهمنا كمصريين، كعرب، كأفارقة، ككتاب ونقاد في مجال السينما، وعشاق للفن السابع، لأن هذا الإرث العظيم – من نتاجات الفن السابع – الذي خلفه لنا الأجداد هو إرثنا جميعاً، وهو ذاكرتنا. هذا هو الشعور والانطباع القوي الذي سيخالج أي إنسان أثناء حضور فعاليات هذه المهرجان الذي يعرض نحو ٤٧٠ فيلماً في نحو ١٥ مسرح سينمائى، ما بين قاعات عرض سينمائية وشاشات في الهواء الطلق في الساحات البولونية الشهيرة، وذلك على مدار تسعة أيام تمتد خلال الفترة ٢٤ يونيه وحتى ٢ يوليو القادم.
تتمير الدورة السابعة والثلاثين من المهرجان – الذي يُقام ويُنظم في واحدة من أعرق المُدن الإيطالية النابضة بالحياة – بأنها تحتفي بالسينما الأفريقية، وتخصص ندوة عنها، وعن أرشيفها، وأصدرت كتاباً عن أحد أهم روادها – التونسي ألبير سمامة شكيلي – يمكن الحصول عليه بأربعين يورو ضمن معرض الكتاب الذي ينظمه المهرجان ضمن أروقته.
على صعيد آخر، تعرض أفلاماً أفريقية – تم ترميمها حديثاً – في عروضها الأولي لأشهر وأعظم المخرجين الأفارقة والرواد منهم التونسي ألبير سمامة شكيلي، بمناسبة مئوية السينما، كما تعرض فيلم Cdddo الذي تم ترميمه حديثاً لأبو السينما الأفريقية عثمان سمبين، وهو المخرج السينغالي الذي لفت أنظار المهتمين بالسينما إلي أفريقيا، مثلما نال جوائز دولية وتعرض للرقابة، ويتم التقديم للفيلم بحديث عن ظروف عملية الترميم وذلك بمشاركة أحد الخبراء المساهمين في هذه العملية وذلك بحضور ابنه آلان سمبيين، كذلك يعرض الفيلم السينمائى السنغالي البديع Yam Daabo للمخرج إدريس ويدراوغو – Idrissa Ouedraogo، من إنتاج عام ١٩٨٧ . فيلم شديد الأهمية، على المستوى الفكري والإيدولوجي وقبل كل هذا فيلم مهم باللغة السينمائية الساحرة والهامسة التي قدم بها المخرج أفكاره على مدار شريطه السينمائى الذي يبلغ ساعة و٢٠ دقيقة. والذي يحكي عن الفقر والبؤس المتفشيان في إحدى القرى في الساحل، وهناك كان لزاماً على السكان أن يختاروا ما بين البقاء وانتظار المساعدة الدولية أو المغادرة إلى مناطق أكثر خصوبة في البلاد لكنها ستكون رحلة محملة بالمخاطر والثمن الذي يجب دفعه.
من أفريقيا أيضاً، وتحديداً من مصر وسورياً، يعرض المهرجان البولوني فيلم «المخدوعون» للمصري توفيق صالح والذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا، فبعد أن نجح السينماتيك البولوني في العثور على نسخة نيجاتيف منه، أسرعوا بالبدء في عمليات الترميم، وبعد الانتهاء منها سيتم عرضه جماهيرياً اليوم، منتصف نهار ٢٧ يونيو في أحد أكبر قاعات السينما هناك وهى «قاعة جولي»، مثلما تعرض أفلام عربية آخري منها «أحلام المدينة» لمحمد ملص، و«نساء فسلطينيات» للمخرجة الراحلة جوسلين صعب، و«نادية والذئاب» اللبنانية هايني سرور التي شاهدتها كاتبة هذه السطور تواظب على حضور عدد كبير من الأفلام بحماس طوال أيام المهرجان.
الموسيقى تُعزز «ستيلا دالاس»
مرة أخرى، تحتل الموسيقى مركز الصدارة، والشاشة المركزية في مهرجان «إيل شينما ريتروفاتو»، فالبرنامج مليء بالأحداث الموسيقية خصوصاً مع الأفلام الصامتة، الطويلة والقصيرة، وقد بدأ ذلك منذ مراسم الافتتاح في سينما جولي، منتصف نهار ٢٤ يونيو، في حضور مديري المهرجان الذين قاموا بقص الشريط الافتتاحي للنسخة السابعة والثلاثين: وهم سيسيليا سينسياريلي، جيان لوكا فارينيلي وإحسان خوشباخت، وماريان لوينسكي، حيث رافق هذه اللحظات عزف على البيانو قام به دانييل فورلاتي،
ثم، في الرابعة من ذات اليوم عرض فيلم روبن ماموليان القصير The Flute of Krishna إنتاج أمريكي 1926، والذي رافقه ستيفن هورن على الفلوت.
على صعيد آخر مهم، أثناء فعاليات المهرجان تعود أوركسترا بولونيا – Teatro Comunale di Bologna – إلى أهم مسرح في أكبر ساحة في المقاطعة وهى ساحة «بيتازا ماجوري» – Piazza Maggiore لحضور حفلتين سينمائيتين مذهلتين بقيادة المايسترو العالمي تيموثي بروك Timothy Brock.
كانت الحفلة الأولى ليلة أمس، الإثنين الموافق السادس والعشرين من يونيو الجاري، حيث رافقت الأوركسترالية الكاملة أحداث الفيلم الصامت «ستيلا دالاس» للمخرج هنري كينج، كانت أمسية خرافية امتدت لساعتين، حتى منتصف الليل، واختتمت بالتصفيق الحماسي للجماهير الحاشدة لما يزيد عن خمس دقائق متواصله، كانت ليلة أسطورية في جمالها، بنفس القدر كانت كاشفة لأهمية دور الموسيقى في تكثيف المشاعر وإثارتها وتعزيزها. إنها أحد الهبات والمنح التي أكسبت السينما الصامتة بقائها وصمودها خلال تلك السنوات. هل لنا أن نتخيل أن فيلماً صامتاً أنتج عام ١٩٢٥ يمكن أن يجعل الدموع تعرف طريقها على وجوهنا في بعض مشاهده؟ هذا ما أنجزته وأثبتته الموسيقي ليلة أمس.
«معجب السيدة ويندرمير»
تدور أحداث الفيلم حول الفوارق الاجتماعية بشكل خفي، وعدم قدرة البعض الخروج من جلده والانتماء للطبقة الأعلى اجتماعياً حتى في ظل توفر المادة. هنا، تتزوج فتاة فقيرة متواضعة لكنها طموحة تُدعى ستيلا من رجل المجتمع ستيفن دالاس عقب انتحار والده، لكنها لا تشترك معه في بساطته الأنيقة واهتماماته، فكل شيء يجمعها محكوم عليه بالفشل. بعد ولادة ابنتهما لوريل ستنفصل العائلة ويعود ستيفن دالاس إلى نيويورك. عندما تكبر لوريل وتصبح امرأة شابة تُدرك ستيلا أنها لا تستطيع إعالتها ابنتها بشكل صحيح ينتمي للطبقة الراقية، فترسلها للعيش مع ستيفن وعائلته الجديدة. لكن حتي تنجح هذه الخطوة ستكون هناك تضحيات مؤثرة جدا من الطرفين؛ الأم والابنة، في النهاية تتزوج لوريل من شاب لطيف من الطبقة العليا بينما تقف ستيلا تحت المطر تراقب الحفل من خلال القضبان الحديدية لسور حديقة الفيلا التي تسكن فيها عائلة ابنتها.
الليلة الثانية للأوركسترا ستكون يوم الثلاثين من يونيو، حيث تصحب الفرقة الأوركسترالية بقيادة تيموثي بروك – لمدة ساعتين – عرض فيلم «معجب السيدة ويندرمير» Lady Windermere’s Fan للمخرج إرنست لوبيتش، والمنتج عام ١٩٢٥، والذي تدور أحداثه في إطار كوميدي حيث تعتقد سيدة مجتمع أن زوجها على علاقة غرامية، وهو تخمين خاطئ سيترتب عليه عواقب شخصية وخيمة على جميع المعنيين.
هناك سهرة إضافية للموسيقى مع كل من الأفلام التالية: «السيدة بيوديت المبتسمة» La Souriante Madame Beudet للمخرج جيرمين دولاك، ومع فيلم «صوت العندليب» La Voix du rossignol والذي يشبه الحلم، ثم الفيلم الكوميدي La fuga di Socrates، إلي جانب أمسية آخرى عبارة عن حفلة موسيقية من ستينيات القرن الماضي، مخصصة بالكامل لعرض 16 ملم.
كذلك، من بين أكثر العروض التي تمت في أجواء أكثر حميمية كانت في ساحة بيتازا بازوليني – Piazzetta Pasolini – ليلة ٢٥ يونيو حيث قام الثنائي الرائع فرانك بوكيوس على الدرامز، وجون سويني على البيانو، بتقديم موسيقى لرحلة برنامج الأفلام المختارة تحت عنوان «أفضل ما في السينما في عام 1903». كانت تجربة ساحرة خصوصاً مع آلة العرض الجديدة/ القديمة ٣٥ ملم، حيث كان الجمهور يُرواح بين النظر لشاشة العرض لمتابعة الأفلام، ثم ينظر للخلف ليتأمل هذه الماكينة العريقة – رغم أنها نسخة جديدة – والتي يعود تاريخها لنشأة السينما وفجر مولدها، كأننا نراوح بين الماضي العريق والحاضر، كأننا نسافر بين زمنيين ومكانين رغم أجسادنا القابعة على الكراسي البسيطة في ساحة بياتزا باوليني. فقد كان الضوء الفاتن ودخان جهاز آلة العرض الكربوني يعزز سحر اللحظة.
د. أمل الجمل تكتب: «إيل شينما ريتروفاتو» البولوني.. الصدارة للموسيقى، والأفضل في عام ١٩٠٣
آخر المقالات من عرب تريبيون
أثار النجم المصري محمد رمضان تفاعلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، بسبب سؤال
كشف الفنان المصري تامر حسني، عن ملامح أول دويتو غنائي له مع مواطنه رامي صبري. ونشر
ذكرت تقارير إعلامية أن النادي الأهلي يواصل العمل على تعديل أوضاعه خلال فترة الانتقالات الشتوية. قال
أعلن نادي الزمالك التقدم بشكوى رسمية إلى الاتحاد المصري لكرة القدم ورابطة الأندية ضد الحكام بسبب
استشهد وأصيب عشرات الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، اليوم، في عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة، والذي