الكاتب والناقد السينمائي والمترجم عبد اللطيف البازي العمراني هو أحد أبرز الوجوه الفاعلة بقوة في مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، إنه المسؤول عن الشراكات الثقافية والمنشورات. تجده في العروض يُرحب بصناع الأفلام، وفي الندوات يدير النقاشات، قلبه يسع الجميع، يعبر عن رأيه بصراحة ولطف ومحبة كبيرة مهما كان الاختلاف، الابتسامة لا تفارقه، قادر على رأب الصدع بين المختلفين في الرأي. يقدم أدواراً آخرى إضافية لا يعلمها إلا مَنْ يطلعون على الكواليس والمقربون منه والمنظمون. يمتدحه رئيس المهرجان أحمد الحسني قائلاً: نحتاج إلي عشرة نسخ من عبد اللطيف. لذلك انتهرنا الفرصة لمحاورته بشأن فعاليات هذه الدورة التي امتدت بين ٣-١٠ مارس الجاري.
كثير من التحديات واجهت هذه الدورة من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط خصوصاً أنها تأتي بعد الدورة السابعة والعشرين الناجحة بكافة المقاييس بشهادة الكثيرين.. لكن دعنا نبدأ من غياب مسابقة الفيلم الوثائقي هذا العام .. لماذا؟
عبد اللطيف: انحزنا في إدارة مهرجان تطوان في دورته الثامنة والعشرين إلي أن الفروقات بين الوثائقي والتخييلي صارت غائمة، إذ برزت أعمال يصعب تصنيفها، واقتنعنا بأن كل فيلم تخييلي يتضمن نصيباً من التوثيق، وأن كل عمل تسجيلي لابد وأن يعتمد على نسبة كبيرة من الخيال، فقد أصبح الاهتمام ينصب على القيمة الفنية للمنتج السينمائي أكثر من البعد الوثائقي أو التخييلي فيها. لذلك، تم إلغاء مسابقة الوثائقي هذا العام، وتم الاكتفاء بمسابقة واحدة «للأفلام الطويلة».
نعود للتحديات التي واجهتكم في هذه الدورة؟
عبد اللطيف: التحدي الأول دائما هو البرمجة لأنها عنوان أي دورة. قمنا بمجهود كبير. شاهدنا كثير من الأفلام. قمنا بالسفر إلى عدد من المهرجانات، واستمعنا إلى استشارة بعض الأصدقاء، ونأمل أن نكون قد وفقنا. التحدي الثاني الذي يواجهنا في كل دورة أن مهرجان تطوان تأسس على فكرة أساسية جوهرية هي عشق السينما، ومحاولتنا تعميم هذا العشق أو على الأقل اقتسامه مع المهتمين، ولكننا بدأنا نتساءل عن دور إضافي للمهرجان، دور عن الواقع وأثر هذا المهرجان على المدينة وعلى الوسط الفني، لذلك قمنا بتنظيم مباراة للسيناريوهات. حددنا لجنة من الخبراء في الشأن السينمائي اختارت ١٢ سيناريو، قامت بالقراءة، وقمنا باستدعاء أصحاب السيناريوهات للمناقشة، هناك جوائز مادية وآخرى تحفيزية للمشاركة في مهرجانات لتطوير المشاريع ضمن إقامات فنية.
أمر آخر، أراه هام جداً، يخص تدريب أصحاب المشاريع لتقديم مشاريعهم أمام اللجنة ومناقشتها.. وتدريبهم على ذلك اللقاء نفسياً، الاهتمام بلغة الجسد، والايماءات الصوتية، تدريب صانع المشروع على الدفاع عن فكرته وتهيئته نفسيا.
عبد اللطيف: بالطبع، يُفترض أن بعض الأفكار الجميلة ماتت في الطريق لأنها لم تجد مَنْ يدافع عنها، لذلك من الضروري الاهتمام بالتفاصيل، وتدريب المخرجين والمخرجات أصحاب هذه المشاريع على أن يدافعوا عن مشروعهم بكل الوسائل الممكنة، وأن يكون المخرج أو المنتج قادر على الإقناع، أن يكون هو أو هى أول المقتنعين، وأن يكون المشروع واضحاً في ذهنه لكي يقوم بتوصيله للآخرين، لأنه من المفترض أن المبدع لديه شيئا يعتبره متفردا ويرغب في إيصاله للآخر.
وماذا عن أيام صناعة السينما؟
عبد اللطيف: وجهنا دعوة إلى مجموعة من المنتجين، ورتبنا لهم لقاءات مع أصحاب المشاريع الاثنى عشر المختارة، لمناقشة هذه السيناريوهات، وحتى نخلق لهم فرصة لإقامة علاقات وتشبيكات، وروابط، ومن ناحية آخرى لمعرفة مدى إمكانية أن تتحول هذه السيناريوهات إلى مشاريع يمكن تحقيقها إلى أفلام ترى النور على الشاشات الكبيرة.
كذلك، أقدم لكم التحية على فكرة ورشة الطلاب.
عبد اللطيف: سعدنا بعمل ورشة للطلاب والتي أدارها وأطرها ثلاثة من الخبراء وصناع الأفلام، وكان الهدف من هذا التكوين محاولة التدريب على كتابة السيناريوهات، ونقل الخبرات العملية لهؤلاء الطلاب، وتحقيق الاحتكاك والتفاعل بينهم وبين مؤطري الورشة، والذي قد يسمح لبعضهم بالحصول على فرصة سينمائية خارج المغرب بترشيح من هؤلاء الخبراء والمؤطرين للورشة. هذا البرنامج تم تنظيمه بالتعاون مع المركز الوطني للسينما بفرنسا. نسعى أن نستمر في هذه الأنشطة التي خلقناها بهذه الدورة، سنحاول توسيعها، وجعلها أكثر فاعلية، سنحاول أيضاً أن نتمكن من جذب ممولين ومنتجين، للمشاركة في الإنتاج، بأن نقدم على سبيل المثال صندوق للدعم لأجل المساهمة في إتمام دورة الفيلم بدأ من السيناريو وصولاً إلى عملية ما بعد الإنتاج أي «البوست برودكشن».
أعوذ إلي برمجة الأفلام.. لاحظت أن بعض الأفلام أحدثت إشكالية مع الناقد، بمعنى أنه لم يتقبلها، لكنها لاقت قبولا عند الجمهور، أو العكس.. هل تتوقعون ذلك أحيانا أثناء البرمجة.. فمثلاً هذا حدث مع فيلم «نزوح» للمخرجة السورية سؤدد كنعان.. الذي صفق له الجمهور.. وهذا أمر مدهش، إذ مؤكد أن بالفيلم شيء ما وجد صداه في نفوس المتلقين، ولمس قلب الجمهور.
عبد اللطيف: ليس بالضرورة أن يحدث هذا. فقد تكون هناك اقتراحات جمالية، أو القصة فيها شيء أيضا، لكني أقول لك أنه في لحظة انتقاء الأفلام لا نفكر في الجمهور، ولا نفكر في النقاد. كل ما نفكر فيه ويشغلنا هو الفيلم. هل هو مقنع؟ هل هو متماسكة وقوي أم لا؟
لجنة الاختيار الأفلام مكونة تقريبا من 13 شخصاً.. هل لابد من الإجماع مثلا على الفيلم وكيف تتصرفون إذا حدثا خلاف أو اختلاف؟
عبد اللطيف: يحدث اختلاف أحياناً. عندها نقوم بوضع نقاط تقيمية للفيلم، من ثم يتم التصويت على العمل المختلف عليه، أحياناً نعيد التصويت، وأحيانا نقدم بعض التنازلات الصغيرة. كل عضو فينا يستند إلى حساسيته، وذوقه، ومخزون مشاهدته.
الندوة التي أقيمت لمناقشة «السينما المغربية.. امكانيات ومفارقات» شعرت أنها كانت ثرية جدا، لأن كل شخص أخذ يتحدث عن جزء مما يشغله ويؤرقه، يمكن الخروج منها بمواضيع بحثية خطيرة لو تم العمل عليها قد تسد حاجة جديدة مستقبلية. أهمية هذه الندوة أيضاً؛ أنها كشفت عن وجود فجوة كبيرة بين النقد وبين صناع السينما المغربية، هنا يُطرح التساؤل: كيف نسعى لتقريب المسافات بين الاثنين، بين النقد وصناع الأفلام؟ هذا يجعلني أطرح تساؤلا عليك: هل فكرت في تنظم ورشة للكتابة النقدية، لأن النقد ضلع أساسي في مثلث العملية السينمائية، التي تتشكل من المبدع والجمهور والناقد؟
عبد اللطيف: فكرة تنظيم مختبر أو ورشة للكتابة للنقدية أراها فكرة وجيهة جدا، وسأحرص على التأكيد عليها مع فريق العمل بالمهرجان.. وسهل أن يتم التضامن معها، بالعودة للندوة ففي الحقيقة أن المتداخلين أعطوا الانطباع بأنه لم يكن هناك ورقة مؤثرة. فاقتراحي بوجود هذه الندوة كان يتوقع وجود ورقة مؤثرة كنت قد تصورتها وطرحتها على بعض الأصدقاء، وذلك في أعقاب الدورة الأخيرة لمهرجان طنجة للفيلم الوطني،إذ كان هناك نقاش شديد وصل لحد التراشق، وصل لحد الطعن في مصداقية لجنة التحكيم..
ربما لذلك في تطوان قمتم بمحاولة فصل لجنة التحكيم عن الجمهور وعن أي من صناع الأفلام أثناء المشاهدة..
عبد اللطيف: أجل، ولذلك قررنا تنظيم هذه الندوة، وكان الهدف منها القيام بتشريح هاديء لأوضاع السينما المغربية، لأنه من المؤكد أن هناك خلل. كنا نحاول أن نهتدي ونضع أيدينا على مكمن الخلل؛ هل هو على مستوى الإنتاج أم على مستوى الابداع؟ أم أنه هل على مستوى التدريب الإداري؟ البحث في الإمكانات التي قد تبدو أحيانا كأنها محنة. كان طموحنا أن نحاول أن نصل لإجابات تقودنا إلى الطريق الصحيح في ظل هذه الأوضاع الملتهبة والمرتبكة نسبياً. لكن المداخلات على أهميتها بدأت أنها بعيدة عن هذا الموضوع، وبعيدة عن هذا الهم الذي يفرق النقاد وصناع الأفلام، بدت كأنها في برج عاجي، فنحن نريد أن نتحدث عن اللحظة الراهنة. صحيح أن الحديث عن البدايات مهم، لكن هذا ليس وقته، كذلك كان هناك مداخلة عن أهمية تحليل الأفلام اعتمادا على أساليب علمية وتفاعل الخلايا الدماغية للمتلقي، وهذا الموضوع مبتكر ومهم، لكن هذا ليس وقته، كذلك تحليل صورة الأب بالفيلم المغربي كان رائعاً لكن أيضاً هذا ليس وقته.
الوضع معقد قليلا، أو ربما كثيراً..
عبد اللطيف: أحيانا نشعر أن هناك نزيف في السينما المغربية، ماهي الإمكانات والمفارقات التي قد تبدو كبيرة في تقديري. في المشهد السينمائي المغربي المبدع دائما يبدأ من الصفر، وكذلك الناقد يبدأ من الصفر. كذلك هذه الحوارات الساخنة والمحتدمة. سنجد هذا الاحتدام والسخونة في الحوار يتجدد ويتكرر في الوسط السينمائي المغربي كل عدة سنوات.. حدث أمر مشابه في عام 2000 ، نحن الآن في 2023 ، كذلك يتكرر الأمر منذ بداية المهرجان، وللأسف تُعاد نفس الأسئلة وتعاد نفس التوصيفات، كأن الأمور محجوزة، وكأنه لا شيء قد تغير، فيبدو الأمر محبط. نريد أن تكون هناك أسئلة جديدة، هناك حديث عن إمكانات لا تكفي، هناك حديث عن نقد لا يوفي في نوعية الأسئلة، نشعر بغياب التطوير في نوعية الأسئلة.
أعتقد أن هناك مأزق يواجه النقد، أنه يعاني من عدم وجود فرص حقيقية للنشر، أماكن النشر محدودة جدا في المغرب، أكثر من محدوديتها في مصر. إضافة إلى ضعف الإمكانات المادية والعائد المادي لمن يكتبون النقد. أعتقد أن مأزق النقد مشابه إلى حد ما لما يواجه عملية الإنتاج السينمائي.. طبعا هناك ناس تستسهل وتكتب أي شيء، لكن لازال هناك قلة نادرة من النقاد تحترم ذاتها وتحترم السينما والقاريء وتكتب تحليلا عميقاً، وتبذل جهدا وتستطيع أن تدير أمورها المادية وإن بصعوبة. لكن لابد أن نعترف في النهاية أن الكتابة النقدية لا تطعم الخبز، أو كما نقول في مصر «ما بتأكلش عيش». وهذا يعيدني لتصرف رئيس الهرجان أحمد الحسني مع بعض الشخصيات التي صارت فاعلة في المهرجان حين طلب منها أن تبحث لنفسها عن عمل وتستقر ماديا ثم تعود للمساهمة بجهودها في المهرجان، لأن العمل تطوعي، كذلك الناقد عليه أن يستقر ماديا ليعطي بإخلاص لفن النقد وبالتالي يفيد العملية السينمائية وصناع الأفلام.. من هنا أعلق الأمل على مهرجان تطوان أن يقوم بالمساهمة – من خلال ورشات الكتابة النقدية – في خلق ناقد واعي على ثقافة راقية، يمتلك تلك القدرة على تحليل اللغة السينمائية، إذ لابد أيضا أن تهيئ للناقد الظروف المناسبة.
عبد اللطيف : صحيح، أماكن وحيز النشر صار ضيقاً جداً، وحتى حينما يُنشر هذا النقد نتساءل من يقرأ هذا النقد؟ ولمن يتوجه هذا النقد؟ إنها إشكالية حقيقية ومسألة جوهرية معقدة.
أعتقد أنه من الضروري أن يتم اختيار موضوع الحلقة البحثية قبلها بفترة طويلة حتى يعمل عليها الباحث مطولاً، فتخرج بشكل لائق، فعندما في مصر نعاني من نفس الإشكال، إذ تُطلب الدراسات والورقات البحثية قبلها بثلاثة أشهر فقط، وهذا ليس وقت كافي أبدا. علمت أنكم تعدون خطة مستقبلية للمهرجان لعدد من السنوات فأعتقد أنه من المهم أيضاً وضع خطة بحثية مسبقا لمدة عامين أو ربما ثلاثة، وعند الانتهاء منها وقبيل المناقشة بعدة أيام يتم إرسال هذه البحوث إلى النقاد حتى يقوموا بالقراءة على مهل، فيتم التركيز على الورقة البحثية ومناقشتها وعدم الخروج عن النص. والان لدي تساؤل عن طموحك للدورات القادمة؟
عبد اللطيف: دائما يتبقى الحلم بتنظيم دورة جديدة ناجحة، بدءا من البرمجة مروراً بكل فعالياتها وأنشطتها الثقافة الموازية. كذلك، نسعى لضخ دماء جديدة للمهرجان من خلال الشباب والشابات. فكرة تنظيم ورشة للنقد سوف أدافع عنها كثيرا. لماذا؟ لأن أي عمل فني مهما كان جميلا إذا لم يتم التفاعل النقدي معه يشعر صانعه وكأنه يتيما، سنحاول عبر التمرينات والورش والمختبرات أن نعطي نفسا جديد للسينما المغربية لكي تتحرر من عثرتها وتتجاوز لحظتها.
الوسوم:
آخر المقالات من عرب تريبيون
ذكرت صحيفة ديفينسا سنترال الإسبانية أن الذكاء الاصطناعي كشف عن هوية الفائز بالبالون دور في العام
أعلن أحمد حسام ميدو، نجم الزمالك السابق، عن موعد الإعلان عن النادي الذي سينتقل له بعد
تصدر تشانغ يي مينغ مؤسس شركة “بايت دانس” مالكة تيك توك قائمة هورون لأثرياء الصين اليوم
أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، اليوم الأربعاء، أن قوات كورية شمالية، ترتدي البدلات العسكرية الروسية،
جلس دونالد ترامب، الأربعاء، وراء مقود شاحنة لجمع القمامة من أجل الإجابة على أسئلة الصحافيين مع