رئيس التحرير يكتب: الشرق الأوسط بين رؤيتين: العنف عند نتنياهو والسلام في مشروع محمد بن سلمان

لطالما كان الشرق الأوسط ساحة مفتوحة للتجاذبات السياسية، والتغيرات العنيفة، والصراعات الممتدة لعقود. لكن في العقدين الأخيرين، برزت رؤيتان متناقضتان حول كيفية “تغيير” هذا الإقليم المعقد. الأولى، طرحها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي دأب على تقديم نفسه كمهندس لشرق أوسط جديد من خلال فرض الهيمنة العسكرية، والتوسع الاستيطاني، وكسر إرادة الفلسطينيين بالقوة. أما الثانية، فهي رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي تقوم على تحديث المنطقة عبر التنمية، والانفتاح، والسلام.

في قلب خطاب نتنياهو، يبرز مفهوم “الأمن بالقوة”. منذ صعوده إلى الحكم، تعامل مع جيران إسرائيل باعتبارهم تهديدًا دائمًا يجب احتواؤه عبر الجدران، والقبة الحديدية، والاغتيالات، والحروب الاستباقية. لا سلام حقيقي، بل إدارة للصراع، ودفع للمنطقة نحو مزيد من التشظي. حتى الاتفاقات التي وقعتها إسرائيل مع بعض الدول العربية لم تكن نتاج رغبة في سلام شامل بقدر ما كانت صفقات سياسية محسوبة تخدم مصلحة ضيقة، دون معالجة أصل النزاع وهو القضية الفلسطينية. والنتيجة؟ شرق أوسط مأزوم، تغذيه الأحقاد، وتنتشر فيه الأزمات من غزة إلى لبنان وسوريا.

على النقيض، أتى محمد بن سلمان برؤية مختلفة تمامًا. منذ مقابلته الشهيرة عام 2016، أعلن بوضوح: “سنُغير وجه الشرق الأوسط، وسنجعله مثل أوروبا الجديدة”. لم تكن هذه مجرد دعاية، بل كانت بداية لمشروع تحول شامل، عنوانه السلام، والاقتصاد، والانفتاح الثقافي. فقد أدرك ولي العهد أن زمن الحروب الأيديولوجية قد ولى، وأن مستقبل المنطقة لا يُبنى بالبنادق بل بالمصانع، والمدن الذكية، والسياحة، والتعليم، وتمكين الشباب والمرأة.

في إطار رؤيته، لم يكتف الأمير محمد بإصلاح الداخل السعودي من خلال رؤية 2030، بل سعى إلى تحفيز بيئة إقليمية مستقرة. فبدلاً من تأجيج الصراعات، عمل على تهدئتها؛ مصالحات خليجية، تهدئة مع إيران، ودعم سياسي واقتصادي لدول مثل مصر والعراق والسودان. ومؤخرًا، استقبل الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب، في رسالة رمزية تؤكد أن السعودية اليوم لاعب سياسي متوازن، يحاور الجميع من موقع القوة الناعمة لا التهديد.

والفارق بين الرؤيتين صارخ. نتنياهو يسعى لتغيير الشرق الأوسط من خلال العنف والعزل، أما محمد بن سلمان فيسعى لتغييره عبر الشراكة والانفتاح. رؤية نتنياهو تنتج المزيد من الضحايا، بينما رؤية بن سلمان تُنتج فرصًا اقتصادية، ومشاريع عملاقة كـ”نيوم”، وواقعًا جديدًا يتطلع إليه ملايين الشباب في المنطقة.

في النهاية، لا تُقاس عظمة القادة بما يفرضونه من هيمنة، بل بما يزرعونه من أمل. وبهذا المعيار، يتقدم محمد بن سلمان برؤية ناضجة لمستقبل شرق أوسطي لا يُدار بالصواريخ بل بالعقول، ولا يُقسم بالطوائف بل يُوحد بالتنمية

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون