“سَجّلْ ..أنا” محمود درويش

اسمك؟
قلت اسمى!
كرر
محمود درويش
هل هذا محضر؟
نعم
إذن – لو ذلك – كذلك –
سجل
أنا محمود درويش!
——–
——–
كان هذا جزء من تحقيق – هكذا اتصور – تكرر ما بين الشاعر والمحقق، بعدما ترك قريته الجديدة، وانتقل إلى حيفا.. لكنه( ولأن القرية عنده هى قريته القديمة فقط – فهو لا يتحمل الحياة فى القرى الأخرى؛ ولا يحب من القرى، إلا قرية ” البروة”!
يقول:” كنت أقيم فى قرية جميلة هادئة، هي قرية (البروة) الواقعة على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا” ثم يقول:” فى احدى ليالى الصيف التى اعتاد فيها القرويون أن يناموا على سطوح المنازل، أيقظتنى أمي من نومى فجأة، وفوجدت نفسي مع مئات من سكان القرية أعدو فى الغابة، كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا، ولم أفهم شيئاً مما يجري.
بعد ليلة من التشرد والهروب وصلت إلى قرية غريبة ذات أطفال آخرين. وسمعت للمرة الأولى كلمة: لبنان..
وعندما زرت قريتى بعد سنوات كانت زيارة سرية – لم أجد من كل القرية إلا مبني الكنيسة الذى تحول إلى حظيرة مواشى. فتشت عن مرتع طفولتى فلم أجد إلا الأشواك…
لا منزل.. ولا شىء.. إلا الأشواق”!
•••
( حيفا – 1961)

فى هذا العام تم القبض عليه من مسكنه ورحل إلى سجن ( الجلمة ) قرب مدينة الناصرة. فى هذا السجن قضى أسبوعين خلف الجدران دون محاكمة وكان عمره عشرين. وما بين 1965 و1967 سجن مرة جديدة..وانتدبت له المحكمة أحد المحامين.. حاول المحامى أن يقول إنه يعتذر باسم درويش! وسأله القاضى عن رأيه فيما يقوله المحامى؟
رد:” أنا لا أعترف بما يقول..ولن أردد هذا القول ولن أؤيده أبدا”!
——-
——-
( حيفا – بعد سنوات)
اسمك؟
قلت اسمى فى محضر تحقيق
عام ستين
كرر
محمود درويش ( فلسطين)
اسمك فقط
هل هذا محضر؟
نعم
إذن سجل
أنا محمود درويش.
——–
——–
وفى سنة 1969 اعتقل للمرة الخامسة بدون محاكمة ودخل سجن ( الجلمة) عشرين يوما.
وما بين السجن الأول والسجن الخامس الذى عاد فيه لزنزانته الأولى قال:” إن السجن الأول – مثل الحب الأول – لا ينسى”!
سنوات قضاها محمود درويش ما بين اعتقالات، وتحقيقات، وملاحقات، وإقامات جبرية، وزنازين ومغافر وكلما وقف أمام المحقق نجده..” يعافر ” ويرد عليه عندما يسأله؟
– هل لديك أقول أخرى؟
نعم
– تفضل
سجل أنا محمود درويش:
” أنا..وهم
تقاسمنا اليوم
لهم الليل
والنهار لى”
ثم يكمل:
” كل واحد فينا
يعرف أن النهار أجمل من الليل
وضوء الشمس أحلى من الظلام
فمن انتصر”
أنا.. أم البوليس”
——
——
الآن أًغلق المحضر
عفو سيدى.. قبل الإغلاق:
– لى سؤال؟
تفضل
هل سجلت لهم؟
هل قلت لهم؟
” لهم الليل
والنهار لى”؟!

الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.

المصادر:
1- محمود درويش
شاعر الأرض المحتلة / رجاء النقاش – الطبعة الثانية – دار الهلال.

2 – المختار من شعر محمود درويش
الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة – 1998

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون