د. أمل الجمل تكتب: بن جلون لتطوان: «منكم تعلمت غرامي بالسينما ولا أعشق سواكم والسلام»

«وأنا في الطائرة تذكرت فيلم «المخدعون» للمخرج المصري توفيق صالح، هذا الفيلم الذي تحدث في السبعينيات عن مأساة إنسانية، وقصة رجال يُغادرون بدون إمكانية العودة للوراء.»

هكذا تحدث المخرج الإيطالي دانييلي فيكاري عقب تكريمه في افتتاح مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط الدورة الثامنة والعشرين، والممتدة بين ٣-١٠ مارس الجاري.

كلمة مختزلة، شديد التكثيف لكنها كاشفة عن قدرة السينما على الخلود، وعلى التأثير واختراق الحواجز الثقافية، واللغوية. مثلما أضاف، في الندوة التي أقيمت له في اليوم الثاني من فعاليات المهرجان، قائلاً:« نحن المتوسطيين الناجين من الحروب، من الزلازل والعواصف والأمواج العاتية، نحن ننتشل أجسادنا وحطامنا من الخراب، وننقذ أنفسنا من تحت الأنقاض والدمار، لنحتفي بالحياة وبالسينما في هذا المهرجان والذي تحول إلي حفل متوسطي منذ ما يقارب الأربعين سنة.»

كانت كلمات فيكاري بالافتتاح والندوة مؤثرة جدا فقد اشتهر بأنه فنان عنيد في خياراته الفنية والسينمائية، كما أنه إنسان ملتزم، فالسينما في نظره هى قضية إجتماعية وأداة، مثل الفنون الأخرى، من أجل النفاذ إلى حساسية الروابط بين الناس.
إنه كاتب سيناريو ومخرج من مواليد ١٩٦٧، درس التاريخ والنقد السينمائى بإيطاليا، بدأ حياته المهنية بالنقد فكتب مقالات في النقد السينمائى في عدد من المجلات. بعد ذلك، وبالتوازي، انطلق في عالم الإخراج، فاشتهر بأفلامه الوثائقية ذات الاهتمام بالمواضيع السياسية والبيئية، منها فيلم «أنصار» الذي يحكي عن محاربة الفاشية والنازية في مدينة كوريج، لم ينقطع فيكاري عن الكتابة النقدية، فقد أصدر بالشراكة مع انتونيو ميديسيس «أبجدية النظرة»، فهم اللغة البصرية، وقد نال عنه جائزة أمبرتو باربارو لأفضل دراسة حول بث اللغة السينمائية، عرضت أفلامه في البندقية ومهرجان كان ضمن أسبوع النقاد، ويتسم أسلوب هذا المخرج المناضل بأنه يحافظ على نوع من التوازن بين سينما الماضي والحاضر بشغف روحي وجداني، كما أنه أحد المؤلفين الإيطاليين القادرين على خوض مغامرة البحث عن الشكل التعبيري الأنسب.

على مدى هذه الأزمنة تابعنا أفلاماً تُصور هذه الترجيديات، مثلما طالعتنا أفلاماً تنسينا آلامنا الجماعية لتعود بنا إلى ذواتنا، وإلى تفاصيل حياتنا اليومية، وأسرارنا الشخصية التي لا نعلم عنها الكثير، مثلما تابعنا أفلاما لا تكف عن السخرية السوداء والبيضاء، أحيانا، من واقعنا ومن أنفسنا فضحكنا.. آه.. كم ضحكنا ولكنه ضحك كالبكاء، فكل شيء انطلق من هذا المتوسط: الشعر والفن والحب الحرب والسلم والتعايش والحوار الثقافي والحضاري والسينما.. وبسبب الفجائع والصراعات والحروب استعجلنا الموت دائما ليقول لنا: «أيها المتوسطيون كونوا جديرين بالحياة على هذه الأرض، وانتصروا للايخاء، وتعلقوا بالآمال وانتصروا للأحلام، واصنعوا الحياة كما تصنعها الأفلام.»

هناك أيضاً مكرمين آخرين بينهم النجمة المصرية غادة عادل التي سيتم تكريمها بالختام، وستقام لها ندوة غداً.
أما المكرم المغربي المخرج حسن بن جلون فقد كان تكريمه تظاهرة حب – تستحق أن نعود إليها لاحقاً – سواء ليلة الافتتاح، بكلمته المؤثرة وبكلمة ابن أخيه الكاشفة عن كثير من الأسرار الجميلة في حياته، كذلك تحولت ندوة تكريمه إلي نهر من الحب، وسباحة في عوالمه الفنية والإنسانية، إذ عاد عشرات السنوات لطفولته وسنوات شبابه ومراهقته، وعمله بالسينما، التي اعتبرها غرامه الأبدي إذ اختتم كلمته بالافتتاح موجهاً إياها لمهرجان تطوان وجمهوره قائلاً: «منكم تعلمت غرامي بالسينما ولا أعشق سواكم والسلام.»

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون