القتال المستمر يفاقم أزمة الغذاء في السودان ويعرض ملايين الأشخاص لخطر المجاعة

في ظل استمرار الصراع في السودان لأكثر من عشرين شهرا منذ اندلاع الأزمة في 15 أبريل 2023، يتفاقم الوضع الإنساني بشكل ملحوظ، خصوصا بالنسبة للنازحين واللاجئين الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء. ومع تزايد تعقيدات الصراع، وضعف الاستجابة الإنسانية وتوقف الإنتاج، أصبح خطر المجاعة يهدد العديد من المناطق السودانية، لا سيما في إقليم دارفور.

وترجح تقارير جديدة مدعومة من الأمم المتحدة صدرت يوم الثلاثاءالماضي، توسع المجاعة في إقليم دارفور، ويفيد /المرصد العالمي للجوع/ بأن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى 5 مناطق جديدة، ومن المرجح أن تمتد إلى 5 مناطق أخرى بحلول مايو المقبل، متوقعا أن يواجه 24.6 مليون نسمة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وبحسب تقرير صادر عن /لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي/، فإن مؤشرات ظروف المجاعة تأكدت في مخيمات أبو شوك والسلام والتي تؤوي أعدادا كبيرة من النازحين في مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، فضلا عن منطقتين أخريين في ولاية جنوب كردفان جنوبي السودان.

وفي السياق فإن المجاعة تنتشر في عدد من مناطق السودان في ظل الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ووفقا لتقرير اللجنة المذكورة، فإن المجاعة، التي كشف عنها لأول مرة في أغسطس الماضي، لا تزال مستمرة في مخيم زمزم للنازحين الواقع أيضا بولاية شمال دارفور.

وتتوقع اللجنة في تقريرها، امتداد المجاعة إلى 5 مناطق أخرى في شمال دارفور مايو المقبل، وهي مناطق، أم كدادة ومليط والفاشر و”الطويشة و”اللعيت. كما حددت اللجنة 17 منطقة أخرى في أنحاء السودان معرضة لخطر المجاعة.

وتعتبر المجاعة المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهي المرحلة الأكثر خطورة، حيث يعاني واحد على الأقل من بين كل خمسة أشخاص أو أسر من نقص حاد في الغذاء ويواجهون تهديدا مباشرا بالمجاعة. يعد هذا التصنيف أداة محورية في النظام العالمي لرصد الجوع، إذ يعمل على تنبيه المنظمات الإنسانية إلى تفاقم الأزمات الغذائية ليتمكنوا من التحرك بشكل عاجل للحد من تأثيرها ومنع تفشي المجاعة.

وفقا لتقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ورغم التحسن الطفيف في حجم انعدام الأمن الغذائي الحاد مقارنة بموسم الجفاف، إلا أن هطول الأمطار فوق المعدل الطبيعي في شهري يونيو وسبتمبر 2024 ساهم في دعم الأنشطة الزراعية. كما سمحت الظروف الأمنية لبعض المزارعين بالوصول إلى حقولهم، مما ساعد في تخفيف أزمة انعدام الأمن الغذائي، حيث تم تخفيض عدد الأشخاص في المرحلة الثالثة من التصنيف.

ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن الفوائد لم تكن متساوية بين جميع السكان. ففي المناطق التي تشهد صراعا كثيفا، أدت الأعمال العدائية إلى تعطيل الأنشطة الزراعية بشكل كبير، مما دفع المزارعين إلى ترك محاصيلهم عرضة للنهب أو التدمير، بينما دمرت الماشية. وبالتالي، من غير المرجح أن تستفيد الأسر النازحة، خاصة تلك التي تقيم في المخيمات والمباني الحكومية، بشكل كبير من موسم الحصاد.

من جانبها، أعلنت الحكومة السودانية مؤخرا عن تعليق مشاركتها في النظام العالمي لمراقبة الجوع، متهمة التقارير الصادرة عنه بأنها “غير موثوقة” و”تضر بسيادة السودان وكرامته”. وأوضح وزير الزراعة السوداني، أبو بكر البشري، في رسالة وجهها إلى لجنة مراجعة المجاعة والديبلوماسيين، أن التقرير الأخير يفتقر إلى بيانات محدثة حول معدلات سوء التغذية وتقييمات إنتاج المحاصيل خلال موسم الأمطار الصيفية، واصفا موسم المحاصيل الزراعية بالناجح، معبرا عن “مخاوف جدية” بشأن قدرة التصنيف على جمع البيانات من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وفي تطور ذي صلة، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى تعزيز الدعم المالي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للاجئين السودانيين الذين يصلون إلى ليبيا مع زيادة الأعداد وانخفاض درجات الحرارة.

وأكدت المفوضية في بيان أصدرته يوم /الثلاثاء/، أنه منذ بداية العام، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الباحثين عن الأمان في ليبيا، مع وصول ما يقدر بنحو 400 لاجئ إلى ليبيا يوميا، وأفادت المفوضية بأنها تعمل من مدينة الكفرة الليبية، والتي تعد نقطة الدخول الرئيسية من السودان، وتقدم المساعدة المنقذة لحياة اللاجئين.

وأشارت إلى أنها تقود الاستجابة المشتركة للأزمة السودانية في ليبيا بين الوكالات، وكجزء من هذه الاستجابة، تسعى المفوضية إلى جمع 22 مليون دولار أمريكي للاستجابة للاحتياجات المقدرة لـ449 ألف لاجئ ومجتمع مضيف بحلول نهاية عام 2025.

إلى ذلك أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن القلق إزاء تدهور حالة الأمن الغذائي بسرعة في السودان، حيث يستمر تدهور القدرة على الوصول إلى الغذاء والتغذية لملايين الأشخاص في جميع أنحاء السودان.

وأضاف أن الأمم المتحدة وشركاءها يعملون على توسيع نطاق تقديم المساعدات الغذائية وغيرها من أشكال الدعم الأساسي للفئات الأكثر ضعفا، لكن القتال المستمر والقيود المفروضة على حركة إمدادات الإغاثة والموظفين لا تزال تعرض عمليات الإغاثة للخطر.

وفي ذات الإطار، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة في بيان منسوب للمتحدثة المساعدة باسمه، تقديم الدعم والتعاون الدوليين العاجلين لتقريب الأطراف من التوصل إلى حل سلمي للصراع من خلال وقف إطلاق نار دائم وزيادة التمويل للعمل الإنساني.

وتأمل الأمم المتحدة وأطراف عديدة معنية بملف الأزمة السودانية في وقف القتال والجلوس للحوار، ولم تفلح عدة جولات سابقة من المفاوضات جرت بين الطرفين بغية طي ملف الصراع السوداني، ويعرب رمضان العمامرة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، عن أمله في أن يتم تغليب روح الحل لعلاج الأسباب الكامنة وراء الاقتتال الداخلي في السودان.

ويقول المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة العائد من زيارة هي الرابعة للسودان، في حديث لموقع أخبار الأمم المتحدة “إن الجهود كانت متواصلة طوال العام، من منطلق نوايا حسنة، بنيناها على تجارب الأمم المتحدة فيما يتعلق بالوقاية من النزاعات وحلها وترقية الحلول السلمية”، ولفت المسؤول الأممي إلى أن نتائج الجهود التي يقوم بها لم تصل إلى الدرجة المرغوبة لإقناع أطراف النزاع بضرورة اللجوء إلى التفاوض والعمل على وقف إطلاق النار بكل أشكاله في جميع أنحاء السودان، وهو الأمر الوحيد الذي يحد من تمدد المجاعة إلى مناطق جديدة، ويأمن الغذاء لأعداد ضخمة من النازحين الذين تقطعت بهم السبل داخل السودان.

ويعكس تزايد حالات المجاعة في العديد من المناطق، خاصة في إقليم دارفور، حجم المعاناة التي يواجهها ملايين السودانيين الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء وسط ظروف أمنية متدهورة.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تبقى أهمية التعاون الدولي لمواجهة هذه الأزمة من أجل إنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة المدنيين في ظل هذه الأزمة العميقة التي تهدد المستقبل الغذائي للسودان.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون