حسان الطيار يكتب: كفوا ألسنتكم عن سوريا والشعب السوري

كم هو مؤسف أن نقرأ العديد من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من بعض الأشقاء العرب عما حدث وما هو حادث في سوريا، تلك التي قرأنا فيها تمجيداً بالرئيس المخلوع بشار الأسد تارة، وأن الشعب السوري الشقيق مقبل على الدمار والخراب والليالي السوداء نتيجة خلع بشار ونظامه تارة أخرى، وثالث يقول أن مصير سوريا سيكون كمصير ليبيا دماراً وتخريباً، ورابع يدَّعي أن سوريا ستجزأ لأربع دول وتتفتت تماماً، وغير ذلك من الترهات والخرافات وضمور الوعي وقلة الإحساس بما عاشه الشعب السوري على مدار خمسين سنة من هون واضطهاد وقتل وتشريد وسجن وانتهاك للأعراض والأنفس والأموال على يد عائلة الأسد الإرهابية منذ تولي الرئيس المقبور حافظ الأسد وانتهاء -بلا رجعة- بابنه المخلوع بشار الأسد.

لا ندري كيف يحسب هؤلاء أنفسهم، وهم يرون كافة الشعب السوري داخل وخارج سوريا، وإلى جواره الشعوب العربية قد خرجوا في مختلف دول العالم فرحين بهذا التحرر من هذا الطغيان والإرهاب!! فهل يرى هؤلاء المعارضين -بل نقول: المتفلسفة- أنهم أوعى وأعلم وأكثر فهماً من كل عشرات الملايين تلك!! وكل ما -يتفلسفون به- ويكتبونه مبنياً على قاعدة عادل إمام في مسرحيته الشهيرة (قالوا له)، أو إغماض الأعين عن مئات الفيديوهات التي ظهرت مؤخراً، ثم الدندنة على موسيقى (بشار وليس مثلك يا بشار)!!

فحين سقطت مصر عام ٢٠١١ قيل عنها: “لن تقوم لها قائمة”، وحين تكرر سقوطها عام ٢٠١٣ قيل عنها: :هذه هي الضربة القاضية”، ولكن مصر نهضت بفضل الله ثم بتظافر الدول العربية الشريفة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وتحررت رغم أنوف أعدائها من براثن من أرادوا سقوطها، لاسيما حينما تكالبت أوروبا وأمريكا عليها مجتمعتين ومعهما قوى الشر في ٢٠١٣، ما دفع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله آنذاك إلى التدخل بصفته وشخصه الكريم وقال قولته الشهيرة: “إن المساس بمصر هو مساس بالسعودية والعروبة والإسلام” وكلف عميد الدبلوماسيين العالميين صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز، وزير الخارجية السعودي رحمه الله أن يقوم بجولات مكوكية لدول العالم، لينقل لهم موقف السعودية تجاه مصر، ورفض أي تكالب أو تآمر عليها، فأخرس بذلك كافة الألسن عن الشقيقة مصر، ونُكِّست رؤوس طغاة أوروبا وأمريكا وزبانيتهم، فعادت الحياة -رغمت أنوفهم- لمصر من جديد وهي بإذن الله في تقدم مستمر حتى وإن كان لا يزال هناك من يتمنى سقوطها الأخير، ولكنها لن تسقط بإذن الله تعالى، وستظل أحلامهم كـ(حلم إبليس في الجنة).

كم هو حري بكل هؤلاء أن يتذكروا ذلك، لاسيما وهم يشاهدون عشرات الملايين من الشعب السوري دون استثناء ومعهم الكثير من الشعوب العربية وقد خرجوا للشوارع والميادين في سوريا وخارجها فرحين مستبشرين بعد أن أنجاهم الله من هذا الأسرة الطاغية، أن يشاركوهم فرحتهم بالتهنئة والمباركة والدعاء لهم أن يعيد الله تعالى لهم وطنهم سوريا لأفضل مما كان عليه، بدلاً من ذلك التمجيد الخاوي المفتقر لأدنى درجات العقل والوعي، بل والإحساس بالغير ببشار المخلوع وزبانيته. فإن عجزوا عن ذلك، فحبذا أن يعيروا الشعب السوري صمتهم فهو خير مما يُسمع منهم ويُقرأ.

وأما سوريا فستظل عصية على إسرائيل وغيرها، فسوريا ليست بلداً صغيراً ولا مهمشاً بل يقف ورائها دول العالم العربي كافة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي بقيت على مدار ثلاثة عشر عاماً وهي تعلن وقوفها مع الشعب السوري، وفتحت الأبواب لهم دون أي فارق في التعامل بين الأشقاء السوريين والشعب السعودي، وما ذلك إلا لإيمانها بأنهم أشقاء قد ظلمتهم الأيام وظلمتهم قيادتهم، وحفاظاً ودعماً لأواصر التصاهر والتراحم بين الشعبين الذي لا حصر له، وهاهم الشعب السوري اليوم قد اكتظت منشوراتهم خطباً وكتابات وصوراً وفيديوهات بالتعبير عن شكرهم للمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً على جليل مواقفها الشريفة، وشكرهم لمصر العروبة على وجه الخصوص لما وجدوا من قيادتها وشعبها من دماثة خلق وحسن تعامل.

إن السعودية والدول العربية اليوم لتقف وستظل مواقفها الشريفة إلى جوار سوريا الشقيقة الغالية على قلوب الجميع، ولن تتنازل عنها قط، خاصة بعد زوال حكم الرئيس المخلوع الطاغية بشار الأسد النصيري، ومن قبله المقبور الهالك حافظ الأسد، الذين حكموا سوريا لعقود حاولوا بها إبعاد العرب عنها بكل السبل مقابل تقريب ملالي إيران وحزب الله اللبناني الإرهابي، ولكن العرب لم يتركوا الشعب السوري قط، بل ظلوا معه يوماً بيوم بكل ما أوتوا من قوة.

أما من يشبه مستقبل سوريا بالأيام التي مرت بالعراق العربي الشقيق بعد سقوط نظام صدام حسين، فنقول له: أن تأخر استقرار العراق -والحمد لله قد استقر- كان لذلك أسباب عدة، منها التدخل الإيراني نتيجة الحدود المباشرة معها، وتنظيم داعش الذي تأسس وخرج في العراق برعاية أمريكية، والأكراد وما فعلته تركيا بهم، ناهيك عن السرقات التي مزقت العراق وأعادته لقرون إلى الوراء بغية قتله تماماً، ولكن على الرغم من كل ذلك، نهض العراق واستقر وهو اليوم في طريقه لاستقرار أكبر إن شاء الله.

مهمتنا كشعوب عربية هي أن نقف مع أشقائنا العرب، فحينما أريد بمصر -نموذجاً- سوء وقف الشرفاء معها شعوباً وقيادات، واليوم علينا أن نكون مع الشعب السوري الشقيق الذي اختار الخلاص مما كان يعيش فيه من قهر وتركيع للنظام البائد، وخرج داخل وخارج سوريا فرحاً، بعدما ذاق المرار لأكثر من خمسين عاماً. بل على أقل تقدير، أن يكون ذلك معهم برسائل توحي بذلك وتبارك لهم فرحتهم، وليس بما يكسر فرحتهم أو يتوعدهم بالسوء والبلاء ويدفع الصهاينة لفعل ذلك بهم مادام أن الشارع العربي آمن أو حتى كان يؤمن بذلك.

نقولها بكل تفاؤل بالله تعالى، ستعود سوريا الشقيقة إن شاء الله تعالى لأفضل مما كانت عليه، فالأهم اليوم هو إعادة ترتيب البيت من الداخل لتعود الدماء لشرايين الجسد السوري، ثم الالتفات لما فعله ويفعله العدو الصهيوني الغاشم حالياً بالأراضي السورية مستغلاً الوضع القائم من الانفلات كما فعلت الجماعات الإرهابية بمصر عام 2011 وعام 2013 وكبوا على مناخيرهم خاسرين، فإنا نعلم علم اليقين أن العدو الصهيوني سيعود لحدود الجولان المحتل رغم أنفه، الجولان العربي الذي اشتراه الصهاينة من المقبور الغاشم حافظ الأسد باطلاً ولكن سيعود للأراضي السورية عاجلاً أم آجلاً، فما بني على باطل فهو باطل.

صرخة عربية نقولها بإخلاص: أحسنوا الظن بالله وسلوه أن ينعم بالأمن والأمان على سوريا الشقيقة ووطننا العربي كافة، وكفوا ألسنتكم عن سوريا والشعب السوري، وجاهدوا أن تصلحوا من بلادكم أولاً ، واتقوا الله في شعب لم يعد فيه بيت واحد إلا وستجد فيه مقتولاً أو سجياً أو مقهوراً أو مغتصب حقه أو مقطوع طرفه أو مشوه جسده، فكفى بما شاهده العالم -كنموذج فقط- من مناظر السجون والسجناء فوق وتحت الأرض التي كان يحكم بها الطغاة الغاشمين آل الأسد مزق الله جمعهم ومن أعانهم، وشت شملهم.

حسان الطيار

كاتب وشاعر سعودي.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون