العلاقات المصرية الخليجية.. سنوات الأمن والدفء

تعود جذور العلاقات المصرية- الخليجية، إلى عشرات السنين الماضية، فهى ليست وليدة اليوم ولا فترة قصيرة سابقة.

وطوال العقود الماضية، مرت العلاقات المصرية- الخليجية، بمراحل فارقة وأحداث جسام، أثبتت خلالها أنها قائمة على أسس راسخة من الأخوة والود وروابط العروبة والمصالح المتبادلة والوحدة، في مواجهة التحديات والأطراف الإقليمية الجامحة.

وهناك ثلاثة نماذج شديدة الوضوح، في العلاقات المصرية- الخليجية، توضح كيف تعرضت لاختبارات هائلة فظهرت متانتها ورسوخها:-

-النموذج الأول حرب أكتوبر 1973، وكانت اختبارًا هائلا بكل ما تعنيه الكلمة للوحدة السياسية والعسكرية العربية والخليجية. فخلال الحرب والتي جاءت بعد 6 سنوات كاملة على نكسة 1967، وكانت فارقة في الرد على الإحتلال الإسرائيلي، ووأد أحلامه الخبيثة ومحاولة استعادة الأراضي العربية المحتلة ومنها سيناء والجولان، كانت الوقفة الخليجية جزءًا أساسيًا ورئيسيًا في الحرب. فالدول الخليجية ساندت مصر بالمال والسلاح، وأعلنت وقف تصدير البترول للدول المعادية التي تساند إسرائيل في الحرب.

وكان قرار الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي أمر بقطع البترول العربي عن الغرب، بمثابة ضربة قوية فتحت الطريق للنصر العظيم.

وقادت السعودية معركة سياسية ودبلوماسية واقتصادية كبيرة وجبارة، لخدمة المجهود الحربي العربي، أسفرت في النهاية عن انتصار أكتوبر المجيد، ولا يزال صدى القرارات الخليجية الداعمة لمصر وسوريا في الحرب موجودًا حتى اللحظة، وملحمة تحفظها كتب التاريخ.

فعقب اندلاع الحرب بأيام، قرر الملك فيصل بن عبد العزيز، استخدام سلاح البترول في المعركة، ودعا لاجتماع عاجل لوزراء البترول العرب في الكويت، وتقرر تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وكانت قرارات في صلب النصر العربي العظيم عام 1973.

-النموذج الثاني، حرب احتلال الكويت أو حرب الخليج الثانية 1990، فالرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، كان يريد أن يبتلع الخليج وصورت له قوته العسكرية آنذاك إنه إذا مرت حرب “احتلال الكويت”، أو ابتلاعها بمعنى أوضح وضمها لمحافظات العراق بسلام، ولم يجد من يتصدى له أو يقف في وجهه، فإن من السهل عليه بعد ذلك أن يواصل مغامراته العسكرية نحو الرياض، ومنها إلى باقي العواصم الخليجية.

لكن الموقف المصري بقيادة الزعيم المصري الأسبق، حسني مبارك، الرافض منذ اللحظة الأولى لغزو الكويت، والمطالب في نفس يوم احتلال الكويت بالخروج الفوري من الأراضي الكويتية، كان ولا يزال صفحة مضيئة في تاريخ العلاقات المصرية الخليجية.

ومصر لم تقف آنذاك، عند حدود الرفض السياسي العنيف على مغامرة صدام حسين، ولكن تحرك الجيش المصري لتحرير الكويت، ضمن تحالف دولي كبير وهناك بطولات كبيرة في هذا الصدد، وامتزجت ثانية الدماء المصرية والخليجية، لتدافع عن استقلال الكويت وحرية أراضيها ورفض العدوان العراقي الغاشم والحفاظ على الشموخ الخليجي.

-ومرت السنوات وجاء النموذج الثالث، وكان اختبارًا هامًا وأصعب من سابقيه، ففي غفلة من الزمن صعدت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إلى سدة الحكم في مصر، ولم يكن هذا مخيفًا للشعب المصري فقط من توجهات الجماعة وظلاميتها، ولكنه كان مقلقًا كذلك للدول الخليجية.

فجماعة الإخوان المسلمين لها توجهات إيديولوجية مخربة، ولا يمكن أن تكون مصر بتاريخها ووسطيتها، كأكبر دولة عربية يحكمها مثل هؤلاء المتطرفين، وهنا جاءت المساندة العربية الخليجية القوية لثورة 30 يونيو 2013. فمنذ اللحظات الأولى للثورة، سارعت دول الخليج السعودية والإمارات والكويت والبحرين بالخصوص، للوقوف بجانب مصر وإعلان الاعتراف بالثورة المصرية وإزاحة حكم الإخوان المسلمين.

وأظهرت السنوات الثماني الماضية، وفي ظل حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كيف نمت العلاقات المصرية- الخليجية، وأكد هو بنفسه عليها خلال زيارته الأخيرة للإمارات للمشاركة في قمة الحكومات العالمية بدبي. فهناك دعم سياسي واقتصادي خليجي كبير لمصر، والتحديات التي تمر بها، وهناك على الجهة الثانية، وقفة مصرية مشهرّة بأن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.

وسيذكر التاريخ كثيرًا، سنوات الدفء والأمن التي تمر بها العلاقات المصرية الخليجية اليوم، وكيف أن هناك أطراف مغرضة، ظهرت خلال الفترة الأخيرة تحاول بسفور النيل منها وتخريبها. لكنها هذا لم ولن يحدث؛ لإيمان قياداتها السياسية، بأن وحدة مصر والخليج ميزان للاستقرار بالمنطقة وعدم انفراط عقدها.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون