ما أبعاد التحوّل التاريخي لفرنسا تجاه الصحراء الغربية؟

تحت عنوان “فرنسا تُواجه تحدّي المُعضلة المغاربية” رأت صحيفة “اللو موند” في افتتاحيتها، أنّ باريس حققت نقطة تحول دبلوماسية كبرى تُشير إلى فشل سياسة المصالحة مع الجزائر، وبالتالي تبنّي موقف الرباط بشأن الصحراء الغربية.

واعتبرت اليومية الفرنسية أنّه في النهاية انتصرت الواقعية عبر الإعلان نهاية يوليو (تموز) الماضي، عن دعم موقف المغرب بشأن مسألة إقليم الصحراء الغربية، وبالتالي تعريض نفسها لغضب الجزائر.


واستغلّ الإليزيه، الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، لينشر على الملأ رسالة موجهة إلى ملك المغرب من رئيس الدولة الفرنسية إيمانويل ماكرون، تؤكد أنّ مشروع الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية هو “الأساس الوحيد للتوصل إلى حلّ سياسي عادل ودائم ومُتفاوض عليه”. وحتى ذلك التاريخ كانت باريس تعتبر أنّ الخطة المغربية ليست سوى “أساس للنقاش”، وهو ما أثار صدمة الجزائر التي سحبت سفيرها على الفور من فرنسا، مُجددة دعمها جبهة البوليساريو التي تُطلب باستقلال الصحراء الغربية.

أبعد من التحوّل التاريخي
واعتبرت “لو موند” أنّ هذا التغيير في موقف فرنسا، التي باتت تعترف الآن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، يذهب إلى أبعد من التحوّل التاريخي الذي قامت به الحكومة الإسبانية في مارس (آذار) 2022، حين أعلنت مدريد أنها تعتبر الخطة المغربية “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع” حول الصحراء الغربية.


وأشارت الصحيفة إلى أنّ السياق الدولي ساهم في الخطوة الفرنسية، حيث كان المغرب، وهو قوة صاعدة في القارة الأفريقية، قد استفاد في عام 2020 من السياسة الاقتصادية الديناميكية والعملية الدبلوماسية للرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، الذي اعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.



قبل القطيعة التامة
الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي فريديريك بوبين، المُختص بالشؤون المغاربية، يرى من جهته أنّ هناك جهود فرنسية مُكثّفة نحو تعزيز العلاقات مع المغرب بشكل خاص، ففي مواجهة الطريق المسدود الذي وصلت إليه المصالحة مع الجزائر، ولم تأتِ بالثمار المُتوقّعة، تميل باريس إلى إعادة توازن دبلوماسيتها المغاربية لصالح الرباط، وخاصة فيما يتعلق بالصحراء الغربية.

ومن المؤكد حسب بوبين، أنّ باريس تعتبر أنّها تحرر نفسها من مُعضلة شمال أفريقيا، وأنّ دبلوماسيتها في تلك المنطقة “ليست لعبة محصلتها صفر”، لذا ففي منطقة المغرب العربي، تعتقد فرنسا أنّ بإمكانها إقامة علاقات ثنائية موازية دون الاضطرار إلى “التثليث”، أي التعامل الإيجابي مع الرباط دون القلق بشأن الجزائر.
وبرأيه فإنّه في عالم الدبلوماسية المُشفّر للغاية، يتجاوز ردّ الجزائر بـِ “سحب” سفيرها، مُجرّد “الاستدعاء للتشاور” الذي لجأت إليه الجزائر بالفعل خلال الأزمتين الأخيرتين مع فرنسا، في 2021 ثم في 2023.

ومع ذلك، فهو لا يعني قطع العلاقات الدبلوماسية، حتى لو “كان ذلك يُشير إلى أقصى مستوى من التأهب قبل القطيعة التامة”.



نهاية قصة حب
من جهتها وتحت عنوان “الصحراء الغربية: بداية العصر الجليدي بين فرنسا والجزائر”، علّقت “ليبراسيون” على المُفاجأة الدبلوماسية الفرنسية، بالقول إنّ رد فعل الجزائر بسحب سفيرها من باريس، يُمثّل بادرة أولى من السخط تُمثّل فشل سياسة المصالحة التي أطلقها ماكرون في السنوات الأخيرة.


وتابعت اليومية الفرنسية “كم تبدو أيام العناق الدافئ بين إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون بعيدة. كان ذلك في أغسطس (آب) 2022، عندما أنهى الرئيس الفرنسي زيارته الرسمية والودّية إلى الجزائر وهو يشعر بأنّ حقبة جديدة قد بدأت في العلاقات الثنائية، حتى أن رئيس الدولة تجرّأ على وصف الشراكة المتجددة بين فرنسا والجزائر بمثابة قصة حب، لكنّ هذه القصيدة الغنائية انتهت فجأة بعد عامين تقريباً من نهاية تلك الرحلة”.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون