وسط مؤشرات على التغيير.. المملكة المتحدة تتجه لانتخابات مبكرة الشهر المقبل

تخوض الأحزاب البريطانية حاليا وعلى مدار الأسابيع الخمسة المقبلة، سباقا مع الزمن من أجل كسب أصوات الناخبين، في مختلف مناطق المملكة المتحدة، وذلك استعدادا للانتخابات العامة المبكرة التي ستجرى هناك في الرابع من يوليو المقبل. وكان حل البرلمان البريطاني قد دخل حيز التنفيذ رسميا يوم الخميس الماضي، وباتت جميع مقاعده البالغ عددها 650 شاغرة، إيذانا ببدء الحملات الانتخابية، وذلك بعد أن أنهى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قبل أسبوع تقريبا، أشهرا من التكهنات، وفاجأ مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية في بلاده بالدعوة لإجراء هذه الانتخابات المبكرة.



ويرى المراقبون أن الدعوة للانتخابات المبكرة تشكل تحديا غير مسبوق لاستطلاعات الرأي العام البريطاني، ومن المرجح على نطاق واسع أن تسفر عن خسارة حزب المحافظين الحاكم أمام حزب العمال المعارض بقيادة كير ستارمر، وذلك بعد 14 عاما من وجود المحافظين في السلطة.

وتقول مصادر صحفية بريطانية إن تغيير هذا الاتجاه يحتاج إلى معجزة، وإنه لم يسبق أن فاز في الانتخابات البريطانية أي زعيم دعا إليها وهو متأخر عن منافسه في استطلاعات الرأي بفارق عشرين نقطة.



وعلى الرغم من أرقام استطلاعات الرأي التي تعد بهزيمة للمحافظين، إلا إنهم يأملون أن تتغير نتائج الاستطلاعات وأرقامها المخيبة للآمال، إذا ما أجادوا إدارة الحملات الانتخابية، ويراهن سوناك على الناخبين الأكبر سنا والمؤيدين لليمين، إذ شهدت حملته وعودا بإعادة الخدمة الوطنية وإعفاءات ضريبية بقيمة 2,4 مليار جنيه للمتقاعدين، آملا أن ينجح في تغيير مجرى الأمور من خلال المناظرات مع كير ستارمر، حيث من المقرر تنظيم المواجهة الأولى بين الرجلين على شاشات التلفزيون في وقت لاحق من هذا الأسبوع.



وتسمح انتخابات يوليو المقبل لسوناك بالتفاخر بالأرقام التي سجلت عودة متواضعة للنمو في الربع الأول من العام الجاري وانخفاض البطالة، وارتفاع ثقة المستهلك، ويمكنه القول إن التضخم آخذ في الانخفاض، وهناك كل الدلائل على أنه سينخفض مرة أخرى عندما تظهر أرقام شهر مايو، في 19 يونيو الجاري، قبل أسبوعين من يوم الاقتراع، إلا أن من غير المرجح أن يحظى مثل هذا التفاخر باستحسان الرأي العام الذي تضرر من موجات من الصدمات الاقتصادية غير الضرورية، من خروج بريطانيا الصعب من الاتحاد الأوروبي لبوريس جونسون إلى إخفاق ليز تروس رئيسة الوزراء السابقة في الميزانية الصغيرة. وسيحتاج ملايين الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والغلاء، إلى انتعاش أكبر قبل أن يعبروا عن شعورهم بالارتياح والرضا عن الأداء الاقتصادي لبلادهم.

وفي الوقت نفسه، يسعى حزب العمال للاستفادة من سخط الرأي العام من المحافظين الذين تولى خمسة منهم رئاسة الوزراء منذ عام 2016، وسط سلسلة من الفضائح والمشاكل الاقتصادية. ويسعى الطرفان لقيادة سادس أكبر اقتصاد في العالم، والذي عانى لسنوات من النمو المنخفض والتضخم المرتفع ولا يزال يكافح من أجل إنجاح قراره لعام 2016 بالخروج من الاتحاد الأوروبي ويتعافى ببطء من الصدمات المزدوجة المتمثلة في كوفيد-19 وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.



ويقول المراقبون إنه مما يعزز الشعور بأن المحافظين يقتربون من نهاية فترة وجودهم في السلطة، إعلان أكثر من سبعين من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، وبينهم وزراء سابقون في الحكومة ورئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي أنهم لن يسعوا لإعادة انتخابهم، كما يواجه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تحديا إضافيا يتعلق بسياسته الخاصة بالهجرة وبوعده بتخفيض أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون البلاد من خلال خطة الترحيل إلى رواندا التي حصلت على مصادقة البرلمان مؤخرا والتي ترفضها منظمات حقوقية بارزة تعنى بحقوق اللاجئين.



وكان مطلوبا من ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني إجراء تصويت بحلول يناير من العام المقبل، لكن انخفاض معدلات التضخم الذي أعلن عنه قبل نحو أسبوعين شجعه على ما يبدو للدعوة لانتخابات عامة مبكرة، ويأمل سوناك أن تؤدي حملة انتخابية ذكية إلى تمديد فترة حكم المحافظين التي بدأت عام 2010، وأشرفت على اقتصاديات التقشف، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كوفيد، وأزمة تكلفة المعيشة. وهو خامس زعيم لحزب المحافظين يخدم خلال تلك الفترة، حيث خلف ليز تروس، التي انهارت فترة ولايتها بعد ستة أسابيع فقط من بدايتها، مما أدى إلى تفاقم المشاكل المالية التي أصابت المملكة المتحدة بالشلل.



ويرى سوناك أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لبريطانيا لاختيار مستقبلها، وسعى في كلمته التي حدد فيها موعد الانتخابات المبكرة إلى تصوير العوامل الخارجية مثل كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا كسياق لصراعات بريطانيا الاقتصادية، قائلا إن العاملين مجتمعين يمثلان “الأوقات الأكثر تحديا منذ الحرب العالمية الثانية”، كما هاجم معارضيه، قائلا إن بريطانيا من خلال التصويت لحزب العمال “ستخاطر بالعودة إلى المربع الأول”.



ومن المنتظر اشتداد الحملات الانتخابية للحزبين الرئيسيين مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستحسم الخيار بين زعيمي حزبين مختلفين تماما، عمالي ستيني هو محام سابق متخصص في مجال حقوق الإنسان، أو مليونير أربعيني محافظ، وقد نجح ستارمر، المحامي السابق البالغ من العمر 61 عاما، في إعادة سياسة حزب العمال إلى الوسط بعد فترة من قيادة جناح اليسار للحزب وإخفاقه في الانتخابات، ورسم صورة لحزبه باعتباره الحزب الذي سيحقق التغيير للناخبين الساخطين. وقال في أول رسالة لحملته الانتخابية لأعضاء الحزب إن “حزب العمال سيوقف الفوضى ويطوي الصفحة ويستعيد مستقبل بريطانيا”، واصفا الانتخابات بأنها “معركة حياة بالنسبة للبريطانيين، ولخص برنامجه في ست أولويات هي: الاستقرار الاقتصادي، وتقليص قوائم الانتظار في خدمة الصحة العامة الوطنية، وتعزيز قوات الشرطة لمعالجة السلوك المعادي للمجتمع، ووضع سياسة جديدة للطاقة، وتوظيف آلاف المعلمين، وإطلاق مركز قيادة جديد لأمن الحدود.



وإذا فاز حزب العمال بالانتخابات، فسينهي ذلك 14 عاما من حكم المحافظين، وسيكون لبريطانيا، التي اشتهرت ذات يوم باستقرارها السياسي، ستة رؤساء وزراء في ثماني سنوات لأول مرة منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ويرى المراقبون أنه بعد ثماني سنوات من تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد سنتين من الحرب الأوكرانية، وبعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب في قطاع غزة، فإن من الأهمية أكثر من المعتاد التساؤل عما إذا كانت حكومة لحزب العمال ستسعى في حال فوز الحزب بالانتخابات المقبلة، إلى تغيير مكانة ودور بريطانيا في أوروبا والعالم.



ويضيف المراقبون إن الإجابة المختصرة هي نعم، إلى حد ما، ولكن ليس بالقدر الذي كان سيحدث لو فاز حزب العمال في أي من انتخابات الأعوام 2017 أو 2019، ويعتقد المراقبون أنه إذا فاز حزب العمال هذه المرة، فسيخرج كير ستارمر، رئيس الوزراء الجديد المفترض، في اتجاه مختلف للغاية، لكن بريطانيا ستظل تحت قيادته قوة نووية وعضوا نشطا في حلف شمال الأطلسي /الناتو/.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون