يفتنني دائماً تنوع الشعر العربي؛ الفصيح والعامّي، الحر والعمودي..
وكذا تنوعُ المواضيع التي يتناولها، تلك المواضيع التي ضيقوها علينا في المدارس فحصروها في الغزل والمدح والهجاء والرثاء..
بينما هي مواضيعُ شاملة لا حصر لها كأنها محيطُ الحياة بأسره، وليس تُرعةُ مناهج المدارس التي ضيّقت نفوس العيال وكرّهتهم في الشعر الذي هو أجمل ما أنتجته حضارتنا العربية.
..
خذوا مثلاً هذين التعبيريْن الشعريين عن الفقر وآلامه، واللذين تفصل بينهما ألفية من السنين:
يقول ابن بصرة العراق أبو الشمقمق:
أَنا في حالٍ تَعالى الله رَبّي أَيَّ حالِ
وَلَقَد أَهزَلتُ حَتّى مَحَتِ الشَمسُ خَيالي
مَن رَأى شَيئاً محالاً فَأَنا عَينُ المحالِ
لَيسَ لي شَيءٌ إِذا قيل لِمَن ذا قُلتُ ذا لي
وَلَقَد أَفلَستُ حَتّى حَلَّ أَكلي لِعِيالي
(أي صار من حق عيالي أن يأكلوني!)
لَو أَرى في الناسِ حُرّاً لَم تَكُن فِي ذا المِثالِ
وبعد ألف سنة من ذلك
يقول ابنُ ديروطَ المصرية حافظ إبراهيم:
أَيُّها المُصلِحونَ ضاقَ بِنا العَيـ
ـشُ وَلَم تُحسِنوا عَلَيهِ القِياما
عَزَّتِ السِلعَةُ الذَليلَةُ حَتّى
باتَ مَسحُ الحِذاءِ خَطباً جُساما
وَغَدا القوتُ في يَدِ الناسِ كَاليا
قوتِ حَتّى نَوى الفَقيرُ الصِياما
يَقطَعُ اليَومَ طاوِياً وَلَدَيهِ
دونَ ريحِ الطبيخِ ريحُ الخُزامى
وَيَخالُ الرَغيفَ في البُعدِ بَدراً
وَيَظُنُّ اللُحومَ صَيداً حَراما
أَيُّها المُصلِحونَ أَصلَحتُمُ الأَر
ضَ وَبِتُّم عَنِ النُفوسِ نِياما
أَصلِحوا أَنفُساً أَضَرَّ بِها الفَقـ
ـرُ وَأَحيا بِمَوتِها الآثاما
وَأَغيثوا مِنَ الغَلاءِ نُفوساً
قَد تَمَنَّت مَعَ الغَلاءِ الحِماما
قَد شَقينا وَنَحنُ كَرَّمَنا اللَـ
ـهُ بِعَصرٍ يُكَرِّمُ الأَنعاما
..
إن الفقر إن شئتمُ الحق هو أسوأ انتهاك لحقوق الإنسان منذ أول الزمان وحتى الآن؛
وخصوصا حين تعرفون ثلاثة أمور:
أولاً: الدول الثرية التي هي عشرون في المئة من سكان الغالم تمتلك خمسة وثمانين في المئة من ثروته.
ثانياً: مجموع ثروات أغني مئة إنسان على قيد الحياة يتجاوز مجموع ثروات أفقر ثلاثة مليارات إنسان على قيد الحياة.
ثالثاً: هذا الوضع باق ويتوسع.
..
قدح أذكى البشر قرائحهم عدة آلاف من السنين حتى الآن، ليصلوا إلى علاج للفقر، وتنوعت إلهاماتهم بين شيوعية تطمس حق الفرد في التمتع بثمار فرديته، وبين اشتراكية تمنح الدول أدواراً أكبر في توزيع الثروات بين الناس، وإنسانية تحارب الفقر بالحض على التبرع لأهله والإحسان لهم..
فشلت كلها، وستفشل غيرها، فالإنسان هو ضلع الطبيعة الأعوج، مخلوق يعذبه جشع لا يشبع، لو أن له جبلاً من ذهب لتمنى أن يكون له جبلان، حتى لو أدى هذا لإفقار الإنس والجان!
نحن محكوم علينا بالطمع، ولذا فنحن محكوم علينا بالفقر.
أزل عن عينيك غشاوة الأمل الزائفة في إصلاحنا، إذ لا صلاح لنا.
آخر المقالات من عرب تريبيون
ذكرت صحيفة ديفينسا سنترال الإسبانية أن الذكاء الاصطناعي كشف عن هوية الفائز بالبالون دور في العام
أعلن أحمد حسام ميدو، نجم الزمالك السابق، عن موعد الإعلان عن النادي الذي سينتقل له بعد
تصدر تشانغ يي مينغ مؤسس شركة “بايت دانس” مالكة تيك توك قائمة هورون لأثرياء الصين اليوم
أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، اليوم الأربعاء، أن قوات كورية شمالية، ترتدي البدلات العسكرية الروسية،
جلس دونالد ترامب، الأربعاء، وراء مقود شاحنة لجمع القمامة من أجل الإجابة على أسئلة الصحافيين مع