من ينقذ الرجال من تستوستيرونهم؟

يخبرك الأطباء، إن أنت سألتهم، أن هُرمون الذكورة التستوستيرون، باهظ التكلفة جداً؛
فهذا الهرمون يجعل أصحابه وكأنهم شمعة تحترق من طرفيها، يبحثون بلا انقطاع عن شيء ما، قد يكون إشباع شهوة، أو إثبات رجولة، أو الانتصار على غريم حقيقي أو مُتَخيّل.
ولهذا الهرمون دور حاسم في جعل متوسط أعمار الذكور، أقل بوضوح من متوسط أعمار الإناث من ذات النوع، الخيول والقطط والبشر أيضاً.
لكنّ تأثير هذا الهرمون على العالم من حولنا لا يقل وضوحاً، فالبيئة، والمجتمع، والأمن والسلم الدوليان..كلها ضحايا لعنف التستوستيرون وجشعه وحثه أصحابه على إشعال الحروب في سبيل إطفاء جوع لا يشبع للامتلاك، المادي بالأسلاب والغنائم، والمعنوي بالمجد والبطولة، ولو على حساب احتراق العالم وسكانه.
..
منذ حوالي ألفين وخمسمئة سنة، وفي مدينة أثينا قلبِ اليونان القديمة، مُثّلت للمرة الأولى المسرحية الكوميدية المذهلة ليزيستراتا، للكاتب الشهير جدا حينذاك، والشهير جدا حتى الآن أريستوفانيس.
وأزعم أن أريستوفانيس العظيم وجد في مسرحيته تلك الحل لكل صراعات البشر، أو أنه على الأقل أرشدنا إلى سبيل جديد للتهديف من خارج الصندوق.
ليزيستراتا امرأة أثينية جميلة، يزعجها أن مدن اليونان المختلفة يحارب كلٌ منها الآخر بلا انقطاع، حرباً لا تتوقف؛ تهدأ هنا، لتشتعل هناك.
ويؤرقها أن البؤس يخيم على الأرض لأن الرجال يحبون الحرب، ويتباهون ببطولاتهم المزعومة خلالها، ويتبخترون كالطواويس بملابسهم العسكرية، ويشفطون الميزانيات لشراء السلاح..
المهم أن الست ليزستراتا جمعت رفيقاتها / نسوة اليونان من كل مكان، وأقنعتهن بالتوقف عن منح عطفِهِن للرجال وخصوصا في الفراش ما لم يتوقف الرجال عن إشعال الحروب، وخوضها عمّال على بطّال.
وبعد مفارقات كوميدية مضحكة، وبعد سيطرة النساء بقيادة ليزستراتا على المقار الحكومية في مدينة أثينا، في أنعم انقلاب يمكنكم تصوره، يرضخ رجال اليونان المحرومون، ويجلسون على طاولة المفاوضات، لإجراء مباحثات سلام، تنهي كل الحروب، وتعيدُهم لأحضان النساء، وتعيد لهم الحظوة لدى الزوجات، اللواتي رفضن بحسم، وبإرشاد من قائدتهن العظيمة ليزيستراتا السماح للرجال ولو بحرب (زغنطوطة قد كده هو) كل شهرين تلاتة.
..
زمان
حين كنت شابا
كنت أضحك كثيرا حين أقرأ مسرحية ليزيستراتا للعبقري أريستوفانيس
والآن
أنظر للفكرة بكل جدية
كمحاولة جادة، وإن في ثوب كوميدي، لإنقاذ الرجال من أنفسهم، ولإنقاذ العالم من تدمير التستوستيرون له.
أليست هذه المحاولة
أفضل من أن نقف مكتوفي الأيدي
رجالاً ونساءً
نشاهد العالم يحترق بالحروب
ويتهدده النووي
ويضربه الجوع
وتُنبتُ أرضُه الألغامَ بدلاً من الخيار والليمون..
بسبب سطوة هرمون اسمه التستوستيرون؟
هذا هو السؤال الكبير.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون