استقالة رئيسة الوزراء الفرنسية… آمال بالتغيير في ظل سياسات داخلية مثيرة للجدل وخارجية تتسم بالتراجع

على وقع تراكم أزمات سياسية واجتماعية طيلة عام 2023، وتراجع في استطلاعات الرأي، قدمت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن استقالتها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قبلها وشكرها على ما سماه “الأداء المثالي في خدمة الأمة”.

ولم تكن هذه الاستقالة مفاجئة للأوساط السياسية في ظل وعود وتكهنات بأن يلجأ الرئيس ماكرون لإجراء تعديلات حكومية عبر مبادرة سياسية جديدة مهد لها منذ بضعة أشهر، على خلفية الجدل الواسع الذي خلفته إصلاحات مثيرة للجدل لنظام التقاعد والمعاشات، بالإضافة إلى إقرار تعديلات على قانون جديد للهجرة، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي إلى صعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2024.

واتسمت فترة تولي إليزابيث بورن لرئاسة الوزراء التي امتدت فترة عشرين شهرا، بخلافات بينها وبين الرئيس ماكرون، ورغم ذلك أكدت بورن في كتاب استقالتها الذي قدمته لماكرون أنه “من الضروري أكثر من أي وقت مضى مواصلة الإصلاحات”، لكن هذه الإصلاحات التي تعاملت معها حكومة بورن وهي ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة الفرنسية، لم تحظ بشعبية وولدت تصدعات حتى داخل حزب الرئيس ماكرون، مثل ملف المعاشات التقاعدية وقانون الهجرة.

فمشروع إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل الذي تبنته الحكومة الفرنسية في شهر يناير من العام 2023، أقر رفع سقف سن الإحالة على المعاش إلى 64 عاما بدلا من 62 عاما، وتم إقراره وفق موازنة تصحيحية للضمان الاجتماعي تسمح للحكومة بالحد من النقاشات بشأنه، من خلال استخدام سلاح المادة 49.3 التي تتيح للحكومة تحمل مسؤوليتها وتبني النص دون الحاجة إلى تصويت في البرلمان.

ودفعت هذه الآلية الآلاف من الفرنسيين للتظاهر والاحتشاد رفضا للتعديلات، وسط تصميم الحكومة آنذاك على عدم تقديم أي تنازلات حول نظام التقاعد الذي أدانت المعارضة الفرنسية إقراره بهذا الشكل، واعتبرته مقدمة لخلق مناخ اجتماعي مشحون، بينما طالب آخرون بإجراء استفتاء حوله باعتباره المخرج الوحيد للأزمة.

أما قانون الهجرة فقد تبناه البرلمان الفرنسي في شهر ديسمبر الماضي بغالبية 349 صوتا مقابل معارضة 186 صوتا، وسط جدل صاخب استمر 18 شهرا، لكن تمرير هذا القانون تسبب بشرخ عميق ضمن الأغلبية البرلمانية والحكومة.

ويعتبر المحللون أن إقرار هذا القانون نصر إيديولوجي لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين والذي تقوده مارين لوبن، وهو المنافس الرئيسي لحزب الرئيس ماكرون في المعسكر اليميني، كما استنكر القانون جان لوك ميلنشون زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي الذي دعا حزبه وائتلاف اليسار وأنصار البيئة إلى مواجهة ما سماه “محور ماكرون-لوبان”.

وأسوأ ما في القانون بحسب المعارضين أنه مرتبط بمن لديه أوراق ثبوتية وطلب للجوء من المهاجرين، فهو يحرم عديمي الأوراق الذين يقدر عددهم في فرنسا بين 600 إلى 700 ألف شخص، حسب تصريحات سابقة لوزارة الداخلية، وهذا ما ولد حالة غليان وخيبة أمل كبيرة، عقب إقراره رغم المعارضة الشديدة له.

ولا يواجه الرئيس ماكرون خلافات داخلية فحسب، بل ثمة تحديات خارجية لا تقل سخونة وانتقادات في جبهة معارضيه، فقضية الحرب بين روسيا وأوكرانيا تمثل استنزافا أوروبيا تتحمل فيه فرنسا قسطا وافرا من المسؤولية خصوصا تجاه ملف الغاز والطاقة.

كما أن فرنسا تواجه تراجعا ملحوظا في نفوذها في قارة إفريقيا مستعمرتها السابقة، وما يشكله ذلك التراجع المستمر من صداع مزمن أمام تقدم القوى الدولية المنافسة وخصوصا في دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون التي أدت انقلابات عسكرية فيها لتصدر قيادات جديدة المشهد، طالبت بوضوح بإخراج القوات الفرنسية المرابطة هناك منذ سنوات.

الجدير ذكره أن التكهنات تشير إلى أن وزير التربية الوطنية غابرييل أتال البالغ من العمر 34 عاما، هو أبرز المرشحين لتولي رئاسة الحكومة الفرنسية المقبلة، في وقت لا يحظى فيه حزب الرئيس ماكرون بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم، على أمل أن يعطي هذا التغيير دفعة سياسية للرئيس ورفع أسهمه قبل خمسة أشهر من الانتخابات الأوروبية.

يشار إلى أنه بموجب النظام الفرنسي، يحدد رئيس الجمهورية السياسات العامة، لكن رئيس الوزراء يكون مسؤولا عن الإدارة اليومية للحكومة، ما يعني أنه غالبا ما يدفع الثمن عندما تواجه الإدارة اضطرابات، وستتولى بورن وحكومتها تصريف الأعمال وتسيير دفة الحكومة لحين تعيين رئيس الوزراء الجديد.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون