نوايا غامضة على الحدود: هل يتجه «حزب الله» إلى فتح جبهة حرب واسعة مع إسرائيل؟

يدور حالياً “صراع منخفض الشدة” بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، ويبدو أن الحزب يسعى إلى إشغال إسرائيل واستنزافها بتوجيه جزء من قدراتها وحشودها العسكرية إلى الجبهة اللبنانية، على نحو يخفف الضغط على “حماس” في جبهة غزة، ويوصل رسالة تهديد إلى إسرائيل مفادها أن الحزب، ومن خلفه تيار “المقاومة”، لن يبقى على الحياد في الصراع الدائر بين إسرائيل و”حماس”.
حتى الآن لا مصلحة لإسرائيل وحزب الله في نقل صراعهما إلى حرب واسعة وشاملة، لذا يُرجَّح استمرار الاشتباكات الحالية المضبوطة والمراعية لقواعد الاشتباك حتى نهاية العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
مع ذلك، لا يوجد ضمانة من عدم تدخل حزب الله، وانخراطه في الحرب ضد إسرائيل، في حال وَجدَ أن “حماس” ستنتهي إلى الزوال أو أن الخسائر البشرية من العملية البرية الإسرائيلية في غزة هائلة.


طرح الهجوم المفاجئ الذي قامت به حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي بإعلان حالة الحرب على الحركة وقطاع غزة، تساؤلات عن احتمالات انخراط «حزب الله» اللبناني في الحرب، وبخاصة في ظل اندلاع اشتباكات “محدودة ومضبوطة” بين الطرفين بالقرب من الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.



تتناول هذه الورقة موقع «حزب الله» من الصراع الدائر حالياً بين إسرائيل و«حماس»، والأسباب الرئيسة لعدم انخراطه الواسع في الصراع حتى الآن، وتناقش الورقة العوامل التي قد تدفع «حزب الله» إلى تغيير موقفه وانتقاله من الانخراط المحدود إلى الانخراط الواسع.



السياق الراهن

يتسم المشهد في جنوب لبنان بالتوتر منذ بدء “حماس” عملية “طوفان الأقصى”، إذ يشهد محاولات قصف وتسلل من الجانب اللبناني تقوم بها عناصر تابعة لكلٍّ من كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى عمليات قصف مركز ومحدود استهدف بها “حزب الله” مواقع وأصول إسرائيلية، قوبلت جميعها بردود إسرائيلية بالقصف طالت مواقع لحزب الله وبعض القرى اللبنانية. ونجم عن ذلك سقوط قتلى وجرحى من طرف إسرائيل و”حزب الله” والفصائل الفلسطينية.



وعلى صعيد المدنيين، فقد شهد الجنوب اللبناني حركة نزوح خفيفة نحو بيروت وضاحيتها الجنوبية، بينما شهدت مناطق شمال إسرائيل استنفاراً متواصلاً وإخلاء نحو 28 بلدة ومستوطنة من سكانها احترازياً.



ويستعد الجيش الإسرائيلي لهجوم بري بهدف القضاء على القدرات العسكرية وقدرات الحكم لحركة حماس. وتختلف المواقف الدولية بين معسكر داعم لإسرائيل تمثله الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وآخر إيراني داعم لـ”حماس”، وتظهر رغبة واضحة لدى المعسكر الداعم لإسرائيل في عدم التصعيد على الجبهة اللبنانية لتجنُّب اندلاع صراع إقليمي واسع. ويبقى القرار الحقيقي بالتصعيد في يد إسرائيل من جهة، ويد “حزب الله” ومن خلفه إيران من جهة أخرى.



موقف “حزب الله” تجاه الحرب في غزة

بالنظر إلى انتماء “حزب الله” لما يسمى “تيار المقاومة أو الممانعة”، ولأنه يُمثل القوة العسكرية الأقوى بعد إيران ضمن هذا التيار، فإن الحزب يتعاطى مع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس لا بوصفه مراقباً بل فاعلاً أساسياً، ومَعني بالتالي بمجريات هذه الحرب ونتائجها، إذ إن من مصلحة الحزب دعم “حماس” وإسنادها في الصراع الدائر حالياً وعدم ترك إسرائيل تستفرد بها؛ فهزيمة “حماس” أو نجاح إسرائيل في تقويض قدراتها العسكرية يمثل خسارة لتيار المقاومة، ومنه “حزب الله” بالطبع. فضلاً عن أن الحزب يهتم بحفظ ماء وجهه أمام جمهوره في لبنان وخارجه، وبخاصة مع إعلائه راية المقاومة على الدوام، ومركزية القضية الفلسطينية في خطابه. ولكن ذلك لا يعني انخراط الحزب بشكل مباشر وواسع بالضرورة في الصراع الحاصل، ما قد يؤدي إلى فتح جبهة جنوب لبنان والانجرار إلى مواجهة شاملة ستكون عالية التكلفة البشرية والمادية.



لذا، عقب “طوفان الأقصى” بادر “حزب الله” إلى الهجوم على مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، وردت إسرائيل بقصف مصادر النيران التي استهدفت مواقعها، ولاحقاً قصفت خيمة كانت محل جدل قبل أسابيع بينها و”حزب الله”. استمر تبادل القصف المحدود بعد مقتل ثلاثة عناصر للحزب، الذي أكد في بيان رده على أي اعتداءات إسرائيلية، و”خاصة عندما تؤدي هذه الاعتداءات إلى سقوط شهداء”، في إشارة واضحة إلى احترام قواعد الاشتباك من حيث الرد المتكافئ وعدم الرغبة في التصعيد. وسمح الحزب -فيما يبدو- للفصائل الفلسطينية، لاسيما “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بالقيام من جنوب لبنان بعمليات قصف وتسلل على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، من دون تحمُّل المسؤولية عن هذه العمليات.



لا تخرج مجريات الأحداث -حتى الآن- عن أصولها المتبعة منذ سنوات، مُحترمةً قواعد الاشتباك ومطبّقة ردود متوازنة، وربما استيعاباً من الطرف الإسرائيلي لحاجة “حزب الله” إلى المشاركة الرمزية أو المحدودة فيما يحصل. إسرائيل ليست مهتمة على الإطلاق بفتح جبهة جديدة ضد عدو شرس ومجهز، في حين أن نوايا “حزب الله” لا تتصف بالقدر نفسه من الوضوح. ويبدو أن الحزب يسعى من وراء هذا التدخل الحذر -حتى الآن- إلى إشغال إسرائيل واستنزافها بتوجيه جزء من قدراتها وحشودها العسكرية إلى الجبهة اللبنانية، على نحو يُخفف الضغط على “حماس” في جبهة غزة، وأيضاً على نحو يوصل رسالة تهديد إلى إسرائيل مفادها أن الحزب، ومن خلفه تيار المقاومة، لن يبقى على الحياد في الصراع الدائر بين إسرائيل و”حماس”. وهذا ما أكده رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله”، هاشم صفي الدين، الذي أعلن أن الحزب ليس على الحياد، عاداً العمليات التي يقوم بها الحزب “رسالة يجب أن يتمعن بها الإسرائيلي جيداً”، في حين أكد نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، جاهزية الحزب لمواجهة إسرائيل دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة، مُشيراً إلى أن الحزب يعرف واجباته تماماً، ويتمتع بجهوزية كاملة متابعاً الأوضاع بدقة.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون