هل تفتح الوساطة الجزائرية أبواب الحل السياسي لأزمة النيجر

أنعش قبول النيجر بالوساطة الجزائرية، الآمال بإمكانية التوصل إلى حلول سياسية تنزع فتيل الأزمة التي تعيشها تلك الدولة منذ استيلاء قادتها العسكريين على السلطة في يوليو الماضي، وتسهم هذه الخطوة في خفض فرص واحتمالات التدخلات والحلول العسكرية للأزمة، كما تفتح المجال أمام إمكانية توفير الشروط الضرورية التي من شأنها أن تسهل مسيرة البحث عن حلول سياسية بالطرق السلمية، بما يحفظ مصلحة النيجر والمنطقة برمتها.

وأعلنت الجزائر تلقيها رسالة رسمية، عبر وزارة خارجية جمهورية النيجر، تفيد بقبول الوساطة الجزائرية، الرامية إلى بلورة حل سياسي للأزمة القائمة في جارتها الجنوبية، وفور تلقي هذه الموافقة، كلف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير خارجيته أحمد عطاف بالتوجه إلى نيامي عاصمة النيجر في أقرب وقت ممكن، للشروع في مناقشات تحضيرية مع كافة الأطراف المعنية حول سبل تفعيل المبادرة الجزائرية.

وفي أواخر أغسطس الماضي كشف وزير الخارجية الجزائري النقاب عن أن بلاده تحدثت عدة مرات مع القادة العسكريين في النيجر واقترحت مبادرة لإعادة تلك الدولة إلى النظام الدستوري الطبيعي، وتقترح المبادرة مدة 6 أشهر لبلورة الحل السياسي والسلمي، كما تقوم المبادرة على عدم شرعية التغييرات الأخيرة في النيجر، موضحا أن هدف هذا المسار هو صياغة ترتيبات سياسية بمشاركة وموافقة جميع الأطراف في النيجر بدون إقصاء لأي جهة مهما كانت، وأشار إلى أن هذه الترتيبات ستكون تحت إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر وتفضي إلى استعادة النظام الدستوري هناك.

ووفق تصريحات الوزير الجزائري فإن بلاده ستدفع بمبادرتها في ثلاثة اتجاهات، أولها داخل النيجر مع جميع الأطراف المعنية والفاعلة هناك، وإقليميا مع دول الجوار والدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة باسم /إيكواس/ وخصوصا نيجيريا كونها تترأس المجموعة حاليا، ودوليا مع البلدان التي ترغب في دعم المساعي الرامية لإيجاد مخرج سلمي للأزمة.

وإدراكا منها لأهمية ترسيخ المبادئ الداعمة للسلم والممارسة الديمقراطية في القارة، دعت الجزائر إلى تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل؛ بهدف تشجيع المقاربة التنموية وحشد التمويلات اللازمة لتنفيذ برامج تنموية في المنطقة بما يضمن الاستقرار والأمن بصفة مستدامة.

وفي نيامي قالت وزارة الخارجية النيجرية إن السلطات النيجرية أعربت عن استعدادها لدراسة عرض الجزائر للوساطة، مشددة في الوقت ذاته على أن مدة الفترة الانتقالية” سيتم تحديدها من خلال نتائج “منتدى وطني شامل”.

وباشرت الجزائر تحركاتها الدبلوماسية، وعقد لقاءات على المستوى الإقليمي والدولي بغية حشد التأييد الدولي لمبادرتها التي ترى أطياف واسعة في النيجر وعدد من الدول المجاورة، أنها تشكل أرضية مناسبة لتسوية الأزمة السياسية التي تعترض النيجر.

وذكرت مصادر إعلامية جزائرية، أن عدة أطراف في النيجر أبدت ترحيبها بالمبادرة، حيث أكد مسؤول مقرب من رئيس النيجر المعزول محمد بازوم ترحيبه وعدد من القوى في النيجر بالمبادرة الجزائرية للحل في بلاده، ونقلت عن مستشار بازوم، الحسن أنتينيكار، قوله في تصريح صحفي، إن المبادرة الجزائرية جيدة، ويمكن أن تمثل مقدمة لحل الأزمة، وهي موضع ترحيب من جانبه ومن جانب العديد من النيجيريين المقربين من الرئيس بازوم.

كما حظيت المبادرة الجزائرية بتأييد دولي واسع، لاسيما من قبل الدول الإفريقية وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أشاد بها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة.

ووفق دوائر سياسية جزائرية تعتبر الجزائر معنية بتداعيات الأوضاع بالنيجر، أكثر من العديد من دول مجموعة “إيكواس” التي تهدد باستعمال القوة العسكرية ضد المجلس العسكري الحاكم في النيجر، ليس فقط لارتباطها بحدود برية تصل لقرابة ألف كلم مشتركة مع جارتها الجنوبية، مع ما يفرض ذلك من تدابير أمنية لمراقبة وحماية تلك الحدود، لكن أيضا لأن أي حرب في المنطقة ستفرز نزوح آلاف اللاجئين باتجاه الجزائر، بما يمثل تهديدا لأمنها القومي ومخاطر صحية وأمنية واجتماعية أخرى.

وتضيف الدوائر السياسية أن الجزائر طرحت مبادرتها، بعد أن رمت بكل ثقلها لإبعاد خيار التدخل العسكري الذي لوحت به “إيكواس”، وقامت بعدة مشاورات مع بلدان المجموعة، خاصة نيجيريا صاحبة الرئاسة الدورية للمجموعة.

وكان الرئيس النيجيري بولا تينوبو قد أعلن الشهر الماضي، أنه يسعى لإعادة إرساء النظام الدستوري ومعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية في النيجر، ورحب بأي دعم لهذه العملية، كما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إنها مستعدة لنشر قوات إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية لاستعادة النظام في النيجر.

ويقول المراقبون أن نجاح المبادرة الجزائرية يتطلب الكثير من الجهود والمساعي الدبلوماسية التي قد تستغرق وقتا ليس بقليل، لكنهم أضافوا أن الجزائر وسيط موثوق نظرا لموقفها المتوازن من الأزمة في النيجر منذ بدايتها، فقد عارضت التدخل العسكري هناك وتمسكت بضرورة العودة للنظام الدستوري في النيجر، يضاف إلى ذلك أن لها باعا طويلا في الوساطة الدولية، وقد نجحت دبلوماسيتها في توقيف العديد من الأزمات في القارة السمراء ومنها الحرب الإثيوبية الإريترية، والتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في شمال مالي بين حكومة باماكو والفصائل المسلحة، وبالتالي يمكنها الاستفادة من خبرتها في إدارة الأزمات خصوصا في القارة الإفريقية.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون