سياسة بايدن إزاء الصين تتركز على الأمل في الأفضل.. والاستعداد للأسوأ

يعتمد نهج الرئيس الأمريكي جو بايدن في التعامل مع جمهورية الصين الشعبية على توازن دقيق. فمن جهة، تعد بكين التهديد المتسارع الذي يواجه الدفاع الوطني ومنافساً استراتيجياً على المدى الطويل. ومن جهة أخرى، هي شريك أساسي في التصدي لتحديات وجودية عالمية مثل تغير المناخ.

وقد وضع البيت الأبيض نفسه في مفارقة من خلال احتضان بكين في مجموعة ضيقة من مجالات التعاون، بينما يستعد في الوقت نفسه، لصراع أمني ممتد لأن المستقبل غامض تمام.

وقال المحلل الأمريكي رايان بيركاو في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إن الولايات المتحدة والصين لم تنجحا في “حل” خلافاتهما على الإطلاق، لكنهما كانتا تجدان دائماً سبل إدارة هذه الخلافات. ولم يعد هذا النظام يعمل لأن الصين فقدت الاهتمام به، وهو ما عرض العلاقات لاضطراب وغموض متزايدين. ويحاول البيت الأبيض تحقيق أفضل استفادة من موقف سيء للغاية والبقاء مرناً للاستعداد لأي سيناريو قد تسفر عنه المنافسة الاستراتيجية، بما في ذلك الحرب.

ورأى بيركاو أن الدبلوماسية هي أساس العلاقات الدولية. وتضع واشنطن الأولوية لتعزيز قنوات الاتصال مع بكين في محاولة للمساعدة في تحقيق الاستقرار لعلاقتهما المضطربة. وكان أول لقاء لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مارس (أذار) 2021 مع الصين أقرب إلى معركة لفظية منه إلى اجتماع دبلوماسي، وهو ما أدى إلى تعليق آمال منخفضة للغاية لكيفية تطور العلاقات خلال الأعوام التالية. وبالمثل، لم يفعل لقاء بايدن الوحيد كرئيس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، الكثير لتغيير هذه النظرة القاتمة.

وقال بيركاو، وهو من قدامى المحاربين في مشاة البحرية الأمريكية، وعمل 10 أعوام في الخدمة العامة في الحكومة الأمريكية مع التركيز في المقام الأول على الأمن الإقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن واشنطن تواجه الحقيقة القاسية وهي أن القيام بدبلوماسية هادفة صعب عندما لا يرد الطرف الآخر الجميل. وعلى العكس، لقد استغلت بكين بشكل مستمر المحادثات رفيعة المستوى كسلاح وذلك لإبداء استيائها.

ويشكل “سور التفاهة العظيم” الصيني حاجزاً كبيراً أمام تحقيق اختراقات أو نجاحات دبلوماسية. وعلى الرغم من ذلك، بذل البيت الأبيض جهداً مخلصاً. وفي مايو (أيار) الماضي، عرضت واشنطن أن يلتقي وزير الدفاع لويد أوستن مع نظيره الصيني لي شانجفو على هامش حوار “شانجريلا” في سنغافورة. ورفضت بكين واختارت بدلاً من ذلك مصافحة قصيرة.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، سافر بلينكن إلى بكين للقاء شي، وتحدث الاثنان عن الحاجة الملحة إلى الاستقرار، إلا أن الزيارة فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو استئناف المحادثات العسكرية. وفي يوليو (تموز) الماضي، زار المبعوث الخاص للمناخ جون كيري بكين لمحاولة التوسط في اتفاق للمناخ بين أكبر مصدرين للانبعاثات في العالم، إلا أن محاولته فشلت أيضاً.

وعلى الرغم من كل هذا الحديث، لم ترد الصين بعد بإرسال مبعوث واحد إلى واشنطن. وأشار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بإيجاز إلى هذا التباين بين الجهود والنتائج بالقول “نحن لا ننظر إلى هذه الرحلات باعتبارها تتعلق بإنجازات متوقعة أو نتائج سياسة معينة”.

وقال بيركاو إنه في حين أن لامبالاة بكين تسببت في تجميد التقدم الدبلوماسي، أدت تصرفاتها الخبيثة في الخارج إلى تصاعد الصراع الأمني الأمريكي الصيني، ودفعت عدة لاعبين مهمين إلى جانب واشنطن. وفي أغسطس (آب) الماضي، شارك بايدن في أول قمة ثلاثية مع رئيس وزراء اليابان ورئيس جمهورية كوريا. وأصدرت الدول الثلاث تصريحات مشتركة منتقدة لبكين وتعهدت بتوسيع وتعميق التعاون الأمني.

كما أكدت الدول الثلاث التزامها بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه من المرجح أن يكون بؤرة التوتر في المنطقة. وقد ركز البيت الأبيض في ظل حكم بايدن بشكل خاص على تايوان التي تواجه خطر تعرضها للضم من جانب الصين، التي تزعم أن الجزيرة الديمقراطية ذاتية الحكم إقليماً منشقاً. وفي عدة مناسبات أعلن بايدن بشكل علني أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم، في مخالفة لبروتكول قائم منذ عقود بأن تلتزم واشنطن بالغموض بشأن هذا الأمر.

وعلى الرغم من أن هذا لا يعد تغيراً رسمياً في السياسة، تؤكد هذه التصريحات أن صراعاً محتملاً في المستقبل بشـأن تايوان يشغل تفكير الرئيس. ومع أخذ هذا السيناريو في الاعتبار، وافقت واشنطن على ضم تايوان إلى برنامج التمويل العسكري الأجنبي، الذي تستخدمه الدول المستقلة عادة لتمويل مشتريات الأسلحة الأمريكية، بما يتوافق مع حزمة أسلحة بقيمة 345 مليون دولار.

ورأى بيركاو أن نظرية التحول الأحمر تفترض أن الكون يتوسع في كل الاتجاهات، تماماً مثل مزاعم الصين بالسيادة الإقليمية، والتي جعلت الهند وفيتنام والفلبين تقترب أكثر إلى واشنطن. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أكدت الولايات المتحدة والهند مجدداً على العلاقة الأمنية المزدهرة، وأعلنتا أنهما “من بين أقرب الشركاء في العالم”.

كما حصلت واشنطن على التزام من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدعم النظام البحري القائم على القواعد الدولية، الأمر الذي يمهد الطريق لمساهمة الهند في التصدي للتعنت الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي.

وفي الشهر الحالي من المتوقع أن ترفع فيتنام والولايات المتحدة علاقاتهما الدبلوماسية إلى “شراكة استراتيجية” في حالة كلاسيكية من حالات “عدو عدوي هو صديقي”. ويأتي هذا القرار بلا شك بدافع من رغبة هانوي في الاحتفاظ باستقلالها السياسي والأمني عن الصين. وتقيم فيتنام بشكل ثابت علاقات مع البنية الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة وهو ما يوضحه رفع هانوي لمستوى علاقاتها مع جمهورية كوريا وخططها المعلنة للقيام بالمثل مع أستراليا في وقت لاحق من العام الجاري.

ومع ذلك، لا تقتصر مكاسب واشنطن في التنافس على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقد توترت المواقف الأوروبية إزاء الصين في ظل دعم بكين للغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما إدى إلى تهيئة فرص للولايات المتحدة. ففي يوليو (تموز) الماضي، جددت كل دول حلف شمال الأطلسي الناتو، البالغ عددها 31 دولة انتقادات واشنطن طويلة الأمد لبكين وذلك في بيان حاد أدان التعنت أو الإكراه الصيني السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يستهدف الحلفاء الأوروبيين. كما ساعدت محاولة الصين الفاشلة في تصوير نفسها كطرف محايد في حرب أوكرانيا إلى تعهد الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مواجهة التضليل الصيني والممارسات التجارية المناهضة للسوق.

واعتبر بيركاو أن نهج إدارة بايدن تجاه الصين، رغم أنه لم ينجح عالمياً، فقد أخذ في الاعتبار بمهارة حقيقية أهمية بكين في المحافل الدولية. إن ترك الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية يوفر لبكين مخرجاً لتهدئة التوترات، لكن قرار القيام بذلك يقع في نهاية المطاف في يد الرئيس شي. لقد قادت الولايات المتحدة الحصان إلى الماء لكنها لا تستطيع إجباره على الشرب. وعلى نحو مماثل في مجال الأمن، قد يختار شي بسهولة بدء صراع بشأن تايوان أو إشعال صراع بصورة غير متعمدة بسبب مزاعم السيادة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

واختتم بيركاو تقريره بالقول إن المنافسة الاستراتيجية مع الصين لا تعني افتراض أن الحرب حتمية، لكنها تعني القيام بكل ما هو ممكن لمنع اندلاعها من خلال التحرك بمسؤولية والاستعداد لها إذا اندلعت. إن توجيه العلاقات الأمريكية الصينية إلى مستوى أفضل هو أمر بعيد عن سيطرة البيت الأبيض أو وزارة الدفاع (البنتاغون) أو الكونغرس. وحتى ترد بكين بالمثل على مبادرات واشنطن الدبلوماسية، ستفتقر المنافسة الاستراتيجية إلى حدود واضحة وسيظل خطر عدم الاستقرار قائماً. ونظراً لعدم وجود بدائل واضحة، فإن أفضل رهان لواشنطن هو استمرار الأمل في الأفضل والاستعداد للأسوأ.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون