رغم مشاركتي في التحكيم.. مهرجان جمعية الفيلم.. ما عليه وما له

انطلاقً من قناعة راسخة لدي، بأن معرفة السلبيات ومكمن الضعف هى التي تدفع للتطور، سأبدأ من ملاحظاتي السلبية على مهرجان جمعية الفيلم في دورته التاسعة والأربعين بالفترة الممتدة من ٦-٢٠ مايو ٢٠٢٣ والمنعقد بدار الأوبرا المصرية، حيث شرفت بالمشاركة في عضوية لجنة التحيكم برئاسة السيناريست والمخرج ابراهيم الموجي، والمخرج محمد ياسين، والمخرج عادل الأعصر، والمنتج هشام سليمان، وبمشاركة الزملاء النقاد؛ ماجدة موريس، ود. وليد سيف.

لاشك أن تجربة التحكيم نفسها مع هذه النخبة، التي تشرفت بوجودي بينها، كانت تجربة ثرية، استمعت بها، واكتشفت فيها أشياء تخص صناعة الفيلم – من وراء الكواليس – برؤية مخرجين كبار ومشاركين في الصناعة.
لكن، أولى ملاحظاتي على اختيار الأفلام هو.. غياب معيار مستقيم في الاختيار، لأن المُتبع أن قائمة بجميع أفلام العام التي أنتجتها السينما المصرية تُرسل للنقاد وأعضاء جمعية الفيلم، ليختاروا من بينها.
هنا سؤالي: هل جميع النقاد شاهدوا جميع الأفلام؟ بالطبع لا. إذن كيف يستقيم الحكم؟ لأن هناك أفلام قطعاً تُظلم نتيجة ذلك؟
الحل في تقديري الشخصي.. أن تُرسل لينكات الأفلام لأعضاء الجمعية والنقاد المشاركين في الاختيار لمشاهدة ما سقط منهم حتى يكون هناك عدل في التحكيم. فإذا كان هناك تشبيه – من قبل البعض – بين هذا المهرجان ونظام التحكيم في الأوسكار، فعلى إدارة المهرجان أن تلتزم بذلك في القواعد، وإلا تنفي هذا التماثل.

الملاحظة الثانية: رغم أن البند الخامس عشر من «لائحة مهرجان جمعية الفيلم السنوي» صفحة ١٦ بالكتالوج الصادر عن هذه الدورة ينص علي أنه: «نظراً للمستجدات التي حدثت في صناعة السينما، وظهور المنصات الرقمية التي عرضت من خلالها طوال العام، سيتم مشاركة الأفلام التي عرضت علي المنصات لتتنافس على جوائز المهرجان من خلال لجنة التحكيم.
السؤال هنا: كيف تضع بنداً في اللائحة ولا تلتزم بتنفيذه. فواقع الحال سواء هذه الدورة التي تحمل رقم ٤٩، وكذلك الدورة السابقة ٤٨، أنه لم يُشارك أيُ من أفلام المنصات في هذه المسابقة، ولم تنل حظها في المنافسة علي الجوائز، حتي لو كانت هذه الجوائز مجرد شهادات تكريم ودرع. هذا خطأ جسيم.

أعلم أن أحد معوقات تنفيذ البند السابق من اللائحة وجود معضلة تتعلق بموافقة الرقابة على العروض، وأمور آخرى روتينية، ولكن هذا ليس مشكلة المبدع الذي من حقه أن يدخل في منافسة عادلة، وإذا كانت إدارة المهرجان غير قادرة علي تنفيذ هذا البند من اللائحة فعليها حذفه واعترافها بذلك. لأن الوضع الحالي في التقييم غير عادل بالمرة، ويُعد أمر معيب في حق المهرجان.

الملاحظة الثالثة: ينص البند «الحادي عشر مكرر» من اللائحة على منح جائزة باسم أحمد الحضري في النقد السينمائي لجيل شباب النقاد تحت سن الأربعين عن طريق الاستفتاء، وتُقرها لجنة التحكيم.
والشق الأول من سؤالي: لماذ لم يتم تفعيل هذه الجائزة؟ أين الفائزة هذا العام؟؟
وثانياً: لماذا يقتصر هذا البند على شباب النقاد فقط تحت سن الأربعين؟ لماذا تحرم كبار النقاد؟ لماذا أقول هذا؟ لأنه إذا كانت إدارة المهرجان تتفاخر بأن المهرجان هو الأقدم في مصر الذي يمنح جوائز في كافة تخصصات الإبداع السينمائى، وإذا كان التنافس بين هذه الأفلام لا يميز بين الشباب وبين شيوخ الإخراج أو أي عنصر إبداعي آخر، فلماذا يتم التمييز بين الأجيال في مجال النقد؟ إضافة لكون الجائزة غير مُفعَّلة أيضاً؟ فإذا كان المخرج القدير شريف عرفة، بكل تاريخه الغني، والذي يُشكل علامة جوهرية في تاريخ السينما المصرية، مع ذلك وُضع في حلبة واحدة للتنافس مع مخرج شاب أثبت موهبته الكبيرة وهو مروان حامد؟ إذا كانت هذه المساواة متوفرة في الإبداع السينمائى فلماذا تنفيها عن عالم النقد.

الملاحظة الرابعة: غياب نجوم ونجمات السينما المصرية وأغلب المكرمين أمر يُحسب ضد المهرجان، وليس في صالحه، صحيح كان هناك نجوم في قامة محمود حميده، والمخرج الكبير يسري نصرالله، والموسيقار المبدع هشام نزيه، لكن أين منة شلبي الفائزة بجائزة أحسن ممثلة، وأين كريم محمود عبد العزيز الفائز بجائزة أحسن ممثل.
أما ما يخص المكرمين، ففي كل دول العالم المُكرم لابد أن يحضر، إلا إذا كانت قد وافته المنيه، وهناك اتصالات وترتيبات من المفترض أنها تتم بين إدارة المهرجان والشخصيات المكرمة، فإذا كانت الشخصية المكرمة لن تحضر لأي ظرف أو حجة لأنها قد تشعر أنها أكبر من هذا التكريم، فالموضوع بسيط جداً، فلتبحث إدارة المهرجان عن شخصية آخري تحترم مهرجان الجمعية وتكريمه لها، لأن أرض الكنانة غنية بالمبدعين الكبار الذين يستحقون التكريم.

الملاحظة الخامسة: تتعلق بالصور المرفقة في الكتالوج فإذا كان لديك مصورين محترفين خاصين بالمهرجان، إضافة للمحترفين من الصحفيين، مع ذلك تضع صوراً لبعض أعضاء لجنة وهم بوجوه مشوهة كأنهم يعانون شللاً في ملامح الوجه أو يُشبهون مصاصي الدماء، فهذا أمر لايليق، وتقع مسئوليته على كل مَنْ له علاقة بتنفيذ الكتالوج واختيار الصور. خصوصاً إذا كان أعضاء لجنة التحكيم نفسهم الذي قدمتهم بهذه الصور لهم صوراً عديدة أفضل حالا وتم نشرها على موقع المهرجان.

لماذا أهتم بالصور؟ لأنك من خلال الصور تقول أشياء كثيرة قد لاتجرؤ على أن تقولها بالكلام، لأنك من خلال الصور تقدم الناس بشكل معين وتخلق لدى القاريء انطباع محدد بالصور، قد تمتدحهم، أو تشوهم من خلال الصور. تلعب الصور دوراً أكثر خطورة من الكلمات. وهل يستطيع أي مسئول بالكتالوج أن يضع صورة لأحد المسئولين ليست جيدة، ولن أقول مشوهة. أين المسئولية والاحترام.

وأخيراً، في حفل الختام وبينما أفتح صفحات الكتالوج، شاهدت لقطات من الندوات بحضور زميلات وزملاء أعزاء من المجال النقدي – من مختلف الأعمار – إضافة للحضور اللافت للجمهور. هنا، ابتسمت في سعادة وقلت للمخرج الكبير عادل الأعصر الذي جاءت جلستي إلي جواره: «يبدو أنهم صنعوا مهرجاناً حقيقياً موازياً لعمل لجنة التحكيم، برافوا عليهم أنهم نجحوا في جذب الجمهور المصري لمشاهدة العروض، وجعلوه ينخرط في نقاش هذه الأعمال السينمائية.»
لذلك لا يفوتني أن أُحيي الدكتور محمود عبد السميع رئيس المهرجان علي جهوده وحماسه وإصراره على الحفاظ على ديمومة المهرجان، وذلك رغم أي نقد سابق. مثلما أُحيي وأشد على أيدي نيفين الزهيري، مدير المهرجان، فالحقيقة أنها طاقة شابة معطاءة نشيطة، تسعى بكل ما لديها لإنجاح المهرجان، فلها كل التحية.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون