في ٢٦ سبتمبر ١٩٨٣ تصرف العسكري السوفيتي ستانيسلاف بيتروف المسؤول عن مركز قيادة التحذير المبكر للهجمات النووية في الدفاع الجوي بشكل يخالف الاجراءات الصارمة المتبعة والاوامر اللاحقة ولكن لاحقا شكره العالم لانه بتصرفه المخالف انقذ العالم من حرب كارثية كانت ستمحي نص سكان الدول المشاركة فيها. ففي ذلك اليوم اصدر جهاز الرادار تنبيه يشير الى ان امريكا اطلقت صاروخ في اتجاه الاتحاد السوفيتي وثم تبعه اطلاق خمسة صواريخ اخرى ايضا في اتجاه السوفيت مما يوجب عليه اتخاذ قرار حالا بالرد لان الصواريخ هذه ان سقطت على الاراضي السوفياتية لكن يكون هناك اي وقت للرد نتيجة الدمار النووي الذي ستخلفه، ولكن بيتروف بحسه البشري وضع احتمال ان يكون هذا التنبيه ناتج عن خلل تقني في اجهزة الرادار وتصرف على هذا الاساس بمخالفة صريحة للتعليمات العسكرية وكان لديه دقائق محدودة ليتخذ فيها هذا القرار المصيري وبالفعل قرر عدم الرد بإطلاق صواريخ نووية باتجاه الولايات المتحدة الامريكية بترجيحه فرضية الخلل الفني التي اثبت لاحقا صحة فرضيته والتي انقذت العالم من كارثة مدمرة.
كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن ايجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي على العديد من مناحي الحياة بما فيها التعليم والاضرار الأمنية والاجتماعية المحتملة بالذات بعد تدشين تطبيق Chat GPT وسهولة استخدامه للقيام بمهام البشر نيابة عنهم ودون تدخلهم.
ولكن هناك ايضا حديث اكثر خطورة تحاول بعض الدول والجهات التعامل معه قبل تفاقم اضراره وصعوبة السيطرة عليها لاحقا، وهو خطر توسع استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، والخوف الاساسي هو من انعدام اي ضوابط او قيود او معايير لطبيعة وحدود هذا الاستخدام.
فهناك دول مثل امريكا والصين تخصص ميزانيات ضخمة لتطوير امكانياتها العسكرية في الذكاء الاصطناعي سواء عبر تصنيع الاسلحة المتطورة أو الطائرات والآلات ذاتية الاستخدام أو في برامج مثل الجندي الخارق super-soldier وهي برامج محاطة بدرجة كبيرة من السرية ولا نسمع عنها الا القليل مثل برنامج Tactical Assault Light Operator Suit الذي اعلن عنه بشكل مقتضب الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما عام ٢٠١٤ أو البرامج الشبيهة في الصين التي تطرق لها رئيس المخابرات الوطنية الامريكية الاسبق جون راتكليف في مقال نشره في صحفية وول ستريت جورنال قبل خروجه للتقاعد بفترة بسيطه كنوع من التحذير الاستباقي لضرورة التعامل مع هذه الاخطار.
حيث كتب “اجرت الصين فعليا تجارب على بعض جنودها كمحاولة لتطوير جنود بقدرات بيولوجية فارقة القدرات. ولا يوجد لدى الصين اي حدود اخلاقية تحد من محاولاتها لامتلاك القوة” بحسب زعمه.
طبعا وجهة النظر الامريكية هي انها بعكس الصين تمتلك حدود اخلاقية تمثل رادع لها ضد التهور في تطوير مثل هذه البرامج، وهذه وجهة نظر لا يمكن بأي شكل من الاشكال الدفاع عنها لما لأمريكا من تاريخ غير مريح في هذا الجانب.، لذلك يشكل مثل هذا التطور ناقوس خطر بالنسبة لبقية دول العالم التي قد تجد نفسها امام نوع جديد من التحديات الامنية التي لا قدرة لهم على التعامل معها وبالذات اذا خرجت عن سيطرت الجميع بمن فيهم من انتجها.
مؤخرا، في شهر فبراير الماضي اجتمع في هولندا عدد من الدول بمن فيهم الولايات المتحدة الامريكية والصين، ولم تكن روسيا مدعوة، لبحث هذا المهدد تحديدا وكيفية وضع الاطر القانونية والدولية الرادعة لهم والكفيلة بمنع انفلاته وخروجه عن السيطرة. ولكن لم يكن لدى امريكا ولا الصين اي رغبة حقيقية في تقديم تنازلات إلزامية تفرض عليهم قيود اخلاقية أو قانونية تحد من إمكانياتهم المستقبلية في عسكرة الذكاء الاصطناعي.
لذلك كانت مخرجات المؤتمر متواضعة جدا لم تتجاوز الاتفاق على “دعوة للعمل” بدون اي التزام قانوني ولا آلية تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، على الرغم من توقيع امريكا والصين بالاضافة لاكثر من ٦٠ دولة اخرى على دعوة العمل وامتناع عدد اخر من الدول التوقيع عليها بمن فيهم إسرائيل التي كانت حاضرة في المؤتمر.
لذلك تبقى العديد من الاسئلة الجادة بدون اجوبة وبدون تدخل مسؤول من المجتمع الدولي يمنع الانزلاق لواقع يستحيل التعامل معه ولكن يسهل تجنبه لو تصرفت الدول المعنية بمسؤولية حقيقية منذ الان، فكيف سيتعامل العالم على سبيل المثال مع طائرات حربية ومسيرات وجنود تتخذ قراراتها وتتصرف بشكل ذاتي وباعتماد كامل على الذكاء الاصطناعي لا على قرارات البشر؟ وكيف سيتعامل الذكاء الاصطناعي مع حادثة مثل التي واجهها بيتروف في ١٩٨٣؟ هل سيخشى جهاز الكتروني ذاتي العمل من حدوث كارثة بشرية بسبب خلل فني؟
اخيرا نحن لا ندعوا لمنع تطوير برامج واستخدامات الذكاء الاصطناعي بل على العكس نرى أهميتها ودورها المهم في تقدم البشرية وصالحها لكن ندعوا لوضع الضوابط والحدود التي تحد من مخاطر هذه الاستخدامات، لكي لا تتطور بشكل سلبي يهدد امن واستقرار البشر كما حصل مع المسيرات التي اكثر من استخدامها باراك اوباما لاغتيال المقيدين على قوائم الإرهاب الامريكية ومن ثم اصبحت تكنولوجيا تصنيع المسيرات متاحة في يد أنظمة داعمة للإرهاب وميليشيات متطرفة تستخدمها للاعتداء على سيادة الدولة والاضرار بمصالحها الاقتصادية والامنية وقتل المدنيين والابرياء.
آخر المقالات من عرب تريبيون
شن لاعب الزماك ومنتخب مصر سابقاً أحمد حسام “ميدو” هجوماً قوياً على لاعب الأهلي محمود عبدالمنعم
كشف اللاعب عمرو جمال عن حقيقة تلقيه عرضاً للظهور في إعلان مع فنانة تشبهه. تحدث لاعب
التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم الأحد، في دمشق قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد
أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا، الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الأحد، إن إسرائيل ستواصل التحرك ضد ميليشيا الحوثي في اليمن،