بعد هجوم “بيجر حزب الله”.. لماذا يجب أن يقلق العالم؟

لسنوات، حث قادة حزب الله أفرادهم على تقليل الاعتماد على الهواتف الذكية، بحجة أن إسرائيل قادرة على التنصت على هذه الأجهزة للتسلل إلى شبكة اتصالاتهم.

وكان البديل هو العودة إلى تكنولوجيا أجهزة النداء واللاسلكي التي تعود إلى حقبة التسعينيات، والتي يُنظر إليها على أنها خيار أكثر أماناً.
تقرير لجيسوس ميسا في موقع “نيوزويك” يشير إلى أن التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل قد فتح فصلاً “مرعباً” في الحروب بصفة عامة.

كان حزب الله يعتقد أن القدرات المحدودة لأجهزة النداء تسمح له بتلقي البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم أو أي معلومات أخرى قد تعرضه للخطر.
وقد جاء هذا الاعتقاد من أعلى المستويات، حيث حث زعيم حزب الله حسن نصر الله أعضاءه على “دفن” هواتفهم المحمولة، خوفاً من أن يتمكن الإسرائيليون من اختراقها واكتشاف تحركاتهم.
اعتقاد زائف
هذا الأسبوع، أظهرت الاستخبارات الإسرائيلية لحزب الله وللعالم أن حتى أبسط التكنولوجيا الاستهلاكية لم تعد آمنة في عصر الحرب المتقدمة.
فقد انفجرت أجهزة استدعاء يستخدمها مئات من أعضاء حزب الله، الثلاثاء، في وقت متزامن تقريبا في أجزاء من لبنان وسوريا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً وإصابة أكثر من 2700 آخرين.
وفي اليوم التالي، قُتل عشرون آخرون وجُرح المئات عندما انفجرت أجهزة اتصال لاسلكية في لبنان بشكل غامض.
ويُعتقد أن العديد من القتلى والجرحى كانوا من أعضاء حزب الله، رغم وجود ضحايا مدنيين بينهم، وفقاً لتقارير في وسائل الإعلام اللبنانية.

ولم تتكشف بعد تفاصيل العملية التي نفذتها الاستخبارات الإسرائيلية، والتي قيل إنها استغرقت 15 عاماً.
ويعتقد بعض التقارير أن الاستخبارات الإسرائيلية أنشأت شركة وهمية في بودابست بهدف صريح يتمثل في بيع أجهزة النداء المحملة بالمتفجرات لحزب الله، بعد أن تنبأت بشكل صحيح بأن الجماعة المسلحة سوف تبحث عنها.
وقال خبراء لنيوزويك إن العملية المنسقة تؤكد على التحول العالمي في ديناميكيات ساحة المعركة، حيث تفسح التكتيكات التقليدية المجال بشكل متزايد لتقنيات متقدمة مثل الأجهزة المتفجرة وطائرات بدون طيار انتحارية تعمل بالذكاء الاصطناعي – والتي غالباً ما تستفيد من الإلكترونيات الاستهلاكية المتاحة بسهولة عبر الإنترنت.
ساحة المعركة الجديدة
يشير الكاتب إلى أن تركيز الدول الآن يعتمد على شل الأنظمة الرقمية والإلكترونية لأعدائها بدلاً من الاعتماد فقط على التكتيكات العسكرية التقليدية.
ويقول محلل الدفاع حمزة عطار إن الحرب الحديثة تبتعد عن ساحات المعارك التقليدية، وتتجه نحو العمليات السيبرانية والسرية.
ويضيف عطار لمجلة نيوزويك: “تدفع إسرائيل حزب الله إلى الزاوية، وتثبت أنه غير قادر حتى على تأمين عملياته، وفي حين يُعرف حزب الله بوعيه السيبراني، فإن هذا الوضع يرسل رسالة معاكسة إلى أنصاره”.
ويكمل، “في لبنان، حيث أدت أزمة الكهرباء إلى الاعتماد على الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، أصبح الناس الآن أكثر حذراً من أي وقت مضى.”
وأكد عطار على الضعف المتزايد الذي تعانيه البنية التحتية المدنية في مواجهة الهجمات الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد.
وحذر من أن الهجوم الإلكتروني المتقدم والمنسق على السيارات أو الطائرات قد يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة في غضون ثوان، حيث أصبحت هذه الأنظمة متكاملة بشكل متزايد مع أدوات التحكم الرقمية التي يمكن اختراقها.

ويواصل: “إذا تمكن القراصنة من اختراق أنظمة الطائرات، فسنواجه كارثة عالمية، حيث ستسقط الطائرات من السماء، إنها فكرة مخيفة، ولكن بصفتي باحثاً، كنت أتوقع حدوث هذا منذ فترة طويلة”.
ويضيف: “مع انتشار الأجهزة المحمولة والرقائق في كل مكان، أصبحت احتمالات الهجوم أكبر بكثير من الدفاع.”
مشكلة سلسلة التوريد
ومع تعرض خطوط إمداد حزب الله للخطر وشكوك حول معداته الإلكترونية، سلط الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع الضوء على نقطة ضعف رئيسية في الحرب الحديثة: الاعتماد على سلاسل إمداد عالمية طويلة ومترابطة بشكل فضفاض.
ويعني هذا التعقيد المتزايد مشاركة المزيد من الكيانات في سلاسل الإمداد عبر المزيد من المواقع، مما يجعل الرقابة والمساءلة أكثر صعوبة.
وفي الهجوم على أجهزة النداء، يبدو أن هذه الأجهزة جاءت من شركة تايوانية، رغم أنها قالت إن أجهزة النداء صُنعت في الواقع من قبل مقاول فرعي مجري مرخص لاستخدام علامتها التجارية.
وقال بروس شناير، وهو خبير تقني أمني مشهور تشمل أعماله إيجاد ثغرات في ما يسميه “مسرح الأمن” في المطارات الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) إن “فكرة إمكانية اعتراض الأشياء والتلاعب بها أصبحت معروفة الآن”.
وأضاف أنه “ليس من المستغرب أيضاً أن يشتري حزب الله أجهزة استدعاء من شركة مجرية لها مورد تايواني، فهذه السلسلة الدولية من التوريد تخلق نقاط ضعف”.
في حين أن المخاوف من أن الصين قد تحول الدراجات الإلكترونية أو البنية الأساسية للهواتف المحمولة إلى أسلحة لا أساس لها من الصحة إلى حد كبير، فإن الكثير من شبكات بيانات الجيل الخامس المتقدمة اليوم أصبحت “محددة بالبرمجيات” بشكل متزايد.
وقد أدت المخاوف من تحديثات البرامج الضارة إلى قيام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بحظر بيع واستيراد معدات الاتصالات من شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي قبل سنوات.
بالنسبة لشناير، في حين أن هذه التكتيكات ليست جديدة – فهو يستشهد باغتيال الموساد عام 1998 ليحيى عياش، كبير صانعي القنابل في حماس، باستخدام هاتف محمول متفجر – إلا أنه يعتقد أن السيناريو الحالي يمثل تصعيداً في كيفية تطبيق هذه الأساليب، مما يثير أسئلة أوسع نطاقاً لخبراء الأمن العالميين.
ويتساءل شناير: “إن دولاً مثل الصين قد تقوم بزرع أفخاخ في معدات الشبكات، ليس لتفجيرها، بل للتنصت، ولكن ماذا يعني هذا بالنسبة للمخاوف الأمنية؟ هل سيُسمح لنا بحمل الهواتف المحمولة على متن الطائرات؟”.
ومع تزايد هذه المخاوف، بدأت السلطات في اتخاذ الإجراءات اللازمة.
ففي يوم الخميس، حظر المسؤولون اللبنانيون أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة النداء على الرحلات الجوية القادمة من بيروت، وفقاً لوكالة الأنباء الوطنية التي تديرها الدولة.
وعلى نحو مماثل، أصدرت شركات الطيران مثل لوفتهانزا تعليمات للركاب بالإبلاغ عن أي هواتف ساخنة إلى طاقم الطائرة على الفور.
قد يعيد هذا إلى الأذهان كارثة سامسونغ غالاكسي نوت 7، حيث أدت البطاريات المعيبة إلى ارتفاع درجة حرارة بعض هذه الهواتف الذكية وحتى انفجارها في عام 2016.
ولكن الآن لم يعد القلق يتعلق بانفجار البطارية فحسب، بل يتعلق باحتمال قيام شخص ما بتفخيخ جهاز ثم تشغيله ليفجر عن بعد.
الحرب السيبرانية المتطورة
إن العملية الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله ليست سوى أحدث مثال على كيفية إعادة تشكيل تكنولوجيا الطائرات المسيرة لساحة المعركة.
في عام 2020، استخدمت إسرائيل روبوتاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، يتم التحكم فيه عن بعد عبر الأقمار الصناعية، لاغتيال أكبر عالم نووي في إيران.
كما استخدمت إسرائيل وحلفاؤها الحرب الإلكترونية لتعطيل جهود التطوير النووي الإيرانية.
وقد أثار التكامل السريع للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة أوجه تشابه مع تطوير الأسلحة النووية، حيث وصف بعض الخبراء هذه اللحظة بأنها “لحظة أوبنهايمر” للذكاء الاصطناعي. فالطائرات بدون طيار ذاتية التشغيل، بما في ذلك تلك التي طورتها إسرائيل، أصبحت قادرة بشكل متزايد على العمل بأقل قدر من التدخل البشري، ومسح الأعداء وإطلاق ضربات دقيقة دون سيطرة مباشرة من المشغل.
كانت الحرب السيبرانية واضحة بشكل خاص في الحرب الدائرة في أوكرانيا مع روسيا، حيث وفرت أرض اختبار حقيقية لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
استخدمت القوات الأوكرانية الطائرات بدون طيار على نطاق واسع للتعويض عن التفوق الجوي الروسي، باستخدام مسيرات انتحارية، كما استخدمت روسيا جيشا من الطائرات بدون طيار على الخطوط الأمامية.
وبعيداً عن تطبيقاتها العسكرية المباشرة، تمثل المسيّرات تحولاً في الاستراتيجية الأوسع للجيوش الحديثة.
فهي توفر إمكانية تنفيذ عمليات أقل تكلفة وأكثر تأثيراً ويمكن التحكم فيها عن بعد، مما يقلل من المخاطر التي يتعرض لها الجنود البشريون مع السماح لهم في الوقت نفسه بتوجيه ضربات عميقة إلى أراضي العدو.
بطبيعة الحال، يعتمد هذا التخفيض في المخاطر التي تهدد حياة البشر على المكان الذي تجلس فيه.
مقاطع حقيقية
ففي موقع “إكس” المنصة الاجتماعية غير الخاضعة للرقابة إلى حد كبير والتي يملكها إيلون ماسك، يكشف بحث سريع عن عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو التي تظهر طائرات بدون طيار أوكرانية مسلحة تصطاد وتقتل جنوداً روساً من الأعلى.

تمنح المقاطع المشاهد إحساساً بأنك داخل لعبة فيديو، لكنها حقيقية.
وعلى نحو مماثل، استخدمت حماس في غزة طائرات بدون طيار زودتها بها إيران لإسقاط قنابل يدوية على الدبابات الإسرائيلية، وتدميرها من الأعلى بأقل تكلفة.
إن المخاوف بشأن الأضرار الجانبية وإمكانية المراقبة الجماعية تلوح في الأفق، ناهيك عن المناقشات الأخلاقية حول انتشار الحرب المستقلة.
ويخشى الاستراتيجيون العسكريون والمدافعون عن حقوق الإنسان أن يؤدي الاعتماد المتزايد على أنظمة الأسلحة المستقلة بالفعل إلى تقليص الإشراف البشري في قرارات الحياة والموت – وهو الوضع الذي ينضج للإساءة وسوء التقدير، كما رأينا في هجوم هذا الأسبوع.
“إن العديد من القتلى في لبنان لم يكونوا من مقاتلي حزب الله، بل كانوا من المدنيين”، وفقاً لقول المحلل العسكري عطار.
وتابع: “وحتى لو كان أحدهم من المسلحين، وإذا لم يكن مسلحاً وكان مع أسرته، فلا ينبغي اعتباره مقاتلاً في تلك اللحظة”.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون