في ذكرى ثورة إيران.. المنطقة لم ترث إلا الدم

لم يعد الحديث اليوم، حول كيف قامت ثورة الملالي في إيران 1979، ولا كيف عانى ملايين الإيرانيين من جراء هذه الثورة وتداعياتها، ولا ما إذا كانت الاتهامات التي طالت شاه إيران حقيقية آنذاك، أم تم النفخ فيها وسط مؤامرة من “الأصولية الإيرانية”، وخداع الشعب الإيراني آنذاك بشعارات الخميني، حول إقامة دولة إسلامية طاهرة نقية.

كل هذه الأسئلة، يعيشها الشعب الإيراني يوميًا، ويشعر بها وإجاباتها وسط مشاكل متفاقمة. فمنذ أن اشتبكت إيران مع العراق في حرب الثماني سنوات في الفترة من 1980-1988، وبعد اندلاعها بعام واحد، والإيرانيون يلاقون الجحيم كل يوم تحت ظلال الثورة، التي لم تكن مقدسة. كما أن مفكري إيران وصحفييها هم الأقدر في الإجابة عن هذه الأسئلة.

لكن ما يشغلنا اليوم، وفي الذكرى الـ44 لثورة “ملالي إيران”، هو رؤية الحقيقة عن قرب داخل إيران، وفي محيطها، للحكم الصحيح بعيدًا عن البروباجندا وآلة التزييف الإعلامي الإيراني الضخمة داخل البلاد.

وإذا كان بإمكاننا الإطلالة سريعًا داخل إيران بعد 44 عامًا من ثورة الملالي واختطاف طهران، فإنه بالإمكان رؤية الاحتجاجات المستمرة داخل طهران، ومختلف المدن الإيرانية طيلة قرابة 4 أشهر، وهي تنادي “الموت لخامنئي”، ويسقط الديكتاتور”، وهي احتجاجات مدوية بعشرات الآلاف وفي مدن عدة، تتناقلها مختلف وكالات الأنباء العالمية رغم الحظر الإعلامي الشديد داخل إيران واعتقال الصحفيين ومطاردة الباقين في الشوارع.

احتجاجات إيران العنيفة، والمستمرة هذه المرة لشهور والمتجددة، هي شهادة على الأرض بفشل الدولة الإيرانية “الأصولية”. فـ”آيات الله” لم يستطيعوا أن يوفروا الجنة التي وعدوا بها الشعب الإيراني طيلة 4 عقود، والأوضاع مزرية بشهادة مؤسسات اقتصادية دولية، علاوة على السخط على الحريات المهدرة داخل إيران والقمع الوحشي.

وتعد موجة الاحتجاجات الأخيرة في طهران، والتي انطلقت منذ منتصف سبتمبر 2022 الماضي، بمناطق واسعة في إيران إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني؛ هي أحدث موجات الانتفاضة الإيرانية، وشارك فيها عشرات الآلاف من الإيرانيين، الشباب وطلاب المدارس والجامعات وغيرهم، رفضًا للقوانين القمعية المفروضة منذ عقود. وهو ما دفع قوات قوات الأمن “الباسيج”، للتصدي لهم بوحشية، ما أدى إلى مقتل المئات واعتقال الآلاف، وفق منظمات حقوقية.

ويزيد الطين بلة الأوضاع الاقتصادية المزرية، بالرغم من أن إيران هي ثاني دولة في احتياطيات النفط بالعالم، ويصل إجمالي إيراداتها النفطية سنويا ورغم الحظر، إلى ما بين 200-250 مليار دولار، ويقترب الإنتاج من 4 ملايين برميل نفط يوميًا.

لكن هذه الكنوز لم تعد على الشعب الإيراني بشيء. ويحتج ملايين الإيرانيين لظروفهم المعيشية المتدنية. فالملالي فشل في استثمار مقدرات إيران وإمكانياتها ورفع “شعارات مخادعة”، يدغدغ بها مشاعر الإيرانيين مثل “الموت لأمريكا”، والموت لإسرائيل، ثم جاءت النتيجة صفرًا.

فإيران تحت حكم الملالي طيلة 44 عامًا من سيء لأسوأ، والشعب الإيراني في احتجاجاته الهادرة هو أول ما يشهد بذلك، وليست مؤامرة كونية أو غربية. ثم إن ما ردده “ملالي إيران” عن الطهارة والعفة ودولته الإسلامية، غير موجود.. والواقع الإيراني لا يعكس هذا بأي شكل من الأشكال.

“الخوميني”، لم يأخذ إيران إلى الجنة الموعودة التي وعد بها أتباعه، وخامنئي خاض بهم مغامرات إرهابية وميليشياوية مؤسفة. والمشهد في إيران اليوم والاحتجاجات، تلطخ نظام الملالي بالعار.

المشهد الثاني، في ذكرى 44 عامًا على ثورة ملالي إيران، هي “ميليشياتهم” الإجرامية، وهذه أعجوبة ملالي إيران. فالمد الإيراني ونشر التشيع والثقافة الفارسية كان سمة من سمات ثورة إيران في عام 1979.

وكان هذا غريبًا في شكله وانطلاقته. فيمكن لثورة أن تغير مسار بلد بأكمله، لكن أن يطلب منها أن تغير مسار العالم وباقي الدول العربية والإسلامية؟ كيف ولماذا؟

فالمدّ الإيراني، مصطلح خرج من جعبة “آيات الله” في قم وطهران، تحت مسمى “ولاية الفقيه”، وهذا الفقيه لا يحاسب ولا يخطيء ولا يُعزل ولا يتم الاقتراب منه؛ لأن سلطاته شبه إلهية!. و”خامنئي” القابع على عرش طهران النموذج الأبرز لهذه المعاني. فهو يشغل منصب الولي الفقيه والمرشد الأعلى لثورة إيران، منذ عام 1989 أي منذ 34 عامًا في الحكم.

والقصة لم تكن فقط هي كفر الشعب الإيراني، بهذه المدة الرهيبة، فوق كرسي الحكم دون تغيير، ولكن ولاية الفقيه هذه ولنشرها ونشر أفكارها استدعت جيوشًا من الميليشيات الإرهابية العدوانية لتأييد هذه الفكرة والسباحة معها في العديد من الدول العربية.

وهي ميليشيات للداخل والخارج الإيراني، وصمت إيران بالعار، وتستنزف ميزانياتها بمليارات الدولارات سنويًا، وتختلف تمامًا عن الجيش الإيراني.

وفيها ذراع رئيس، هو فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو مسؤول عن العمليات الإرهابية الخارجية، وله الدور الرئيس في إنشاء الأذرع الخارجية لإيران طوال السنوات الماضية.

وأبرز هذه الأذرع الإرهابية الإيرانية في المنطقة، هي حزب الله اللبناني – الابن البكر لميليشيات إيران- وتأسس عام 1982، ليصبح الوكيل العسكري الأبرز لها في منطقة الشرق الأوسط، ويسيطر على القرار اللبناني.

وميليشيا حزب الله العراقي، وظهرت في عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين، وظهرت معها كتائب لواء أبي الفضل العباس، وكتائب كربلاء، وكتائب السجاد، وكتائب زيد بن علي، ثم توحدت جميعها تحت رايته في عام 2006. وكلها صاحبة سجل دموي وجرائم بشعة في العراق، وكانت طرفًا في حرب طائفية ضد المكونات العراقية الأخرى، من أجل تثبيت النفوذ الإيراني. وميليشيا عصائب أهل الحق وتأسست في عام 2006، والحشد الشعبي في العراق، وتأسس عام 2014.

من جملة كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، وقوات الشهيد الصدر، توسع الحشد من المتطوعين الشيعة، ويضم تحت لوائه قرابة 200 ألف عنصر. والميليشيات الإيرانية في سوريا، وميليشيا “الفاطميون” من أفغانستان و”الزينبيون” من باكستان.

وميليشيا الحوثي الإيرانية، وتأسست تحت اسم “جماعة أنصار الله” عام 1992، وبدأت نشاطًا عسكريًا مسلحًا منذ عام 2004 بالدخول في 6 حروب ضد الجيش اليمني حتى عام 2010. ثم اختطفت اليمن، وهي سبب رئيس للوضع المزري الذي يمر به. وكذلك سرايا المختار والأشتر في البحرين.

وكل هذه وغيرها عصابات مسلحة إرهابية وطائفية، لها ميزانيات سنوية، ويندرج تحت لوائها آلاف العناصر المسلحة. وتنتشر في لبنان واليمن والعراق وسوريا وغيرها وتهدد استقرار دول أخرى.

والخلاصة في ذكرى ثورة إيران.. المنطقة لم ترث منها سوى الدم والميليشيات.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون