الإنسان والأيديولوچيان

أكثر الأسئلة إلحاحا في لحظتنا العربية هذه:
-كيف يمكن الفصل بين الإنساني الإغاثي وبين السياسي الأيديولوچي حينما تضرب فاجعة كبرى دولة عربية شقيقة؟
أيمكنك الوقوفُ مكتوف اليدين لأن رئيس تلك الدولة لا يعجبك؟
تاركاً المنكوبين فيها يموتون لنقص فرق الإنقاذ ومعدات الإغاثة والدواء والماء والغذاء؟
أيسمح لك ضميرك بالامتناع عن مد يد العون لأن المنطقة المنكوبة خاضعةٌ لسيطرة حكومة لا تعجبك أچندتُها، أو شبكةُ تحالفاتها؟
وما الفرق بينك إذن في هذه الحالة وبين النظام الذي لا يعجبك؟
ألستما بلا قلب إلى حد التطابق؟
ثم أنك حينما تسمح للكراهية بأن تَغُل يديك عن الإغاثة الإنسانية، إنما توسع مساحات البُغض في العالم، وتقلص مساحات المودة.
فكأنك جانٍ غليظُ القلب، متحالف مع قوى الطبيعة المدمرة.
..
يقول الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر المعروفُ باسمه المستعار أدونيس، في أحد كشوفات الشعر العبقرية:
(أنت لا تكرهني، أنت تكره الصورة التي تكوّنها عني. لكنّ هذه الصورةَ ليست أنا – إنما هي أنت. مُصوَّراً ومُصوِّرا . فأنت تكره نفسك . أنت ، بالأحرى ، تكره نقصَك الذي أفضحه.)
..
نصيحتي المتواضعة:
دع عنك التسيّس وكن إنساناً.
ورتب أولوياتِك بحيث يظل قلبُك على رأسِها.
فبوصلة القلب تشير إلى الإتجاه الصحيح دائماً.
..
ولكن:
ما أسهل الهروب!
يمكنك ببساطة أن ترفض التفكير والمُتابعة.
تستطيع قطع صلاتِكَ كلها بالزلزال المروّع بين سوريا وتركيا.
والكفَّ عن النظر إلى أعداد الضحايا، وأعين الناجين، والبيوت المقلوبة المُهَدّمَة.
وأن تعلنها جَهرةً: أنا متألم، ولا أريد أن أتألمَ أكثر.
أنا مُتعاطف، لكنني عاجز عن المساعدة؛ فما جدوى تعذيبِ ضميري بمتابعة أخبار الكارثة ومن سحقتهمُ الكارثة!
لن يمنعك أحد من وضع قلبك في ثلاجة العزلة، والانشغال بمشاهدة مسرحية كوميدية قديمة.
أو الانكباب على متابعة مباريات الكرة، والهتاف باسم فريقك المفضل، ولاعبِك الأثير.
لو أن هذه هي اختياراتُكَ لنفسك، لن يحولَ أحدٌ بينك وبينَها.
لكنني أملك ثلاثة أسباب للنظر بشجاعة في ملامح تلك الكارثة الإنسانية المرعبة:
فأنت بذلك تواجه الحياة بكل ما فيها من مرارة، مواجهة الشجعان، ولا تفر منها فرار الجبناء.
وأنت بذلك تزيد مساحات التعاطف الإنساني بداخلك، وربما يدفعك ذلك لمد يد العون لمُحتاج ذات يوم إن استطعت إليه سبيلا، فتتحول من ناظر إلى فاعل، ومن مراقب إلى مُحسن.
وأنت أخيراً -بنظرك في عيني طفلٍ سوري أنقذه فريق إغاثة جزائري بمعدات قدمتها الفيليبين- تدرك أن الأمل في الإنسانية ما يزال قائماً.
وهذا وحده سيعطيك القوة للاستمرار.
..
يقول الأمريكي مارك توين:
إذا كان الأسى في قلوب الآخرين يُحزنك؛ فأنت إنسان.
فما بالكم إن كان هؤلاء الآخرون سوريين أشقاء وأتراكاً أصدقاء زُلزلت الأرض تحت أسِرّتهم الوادعة وهم نيام، في لحظة مرعبة خلّفت آلاف الضحايا، وملايين المُشرّدين.
وأثبتت مجددا أن الإنسان ضئيل ضئيل ما يزال أمام قوى الطبيعة القاهرة.
قلوبُنا معهم جميعاً.
وليت القادرين منا يمدون أياديهم بالعون لجهات الإغاثة الإنسانية الدولية التي تسابق الزمن لإنقاذ العالقين تحت الركام.
..
لكننا نقدر على مواصلة الحياة
لأننا نؤمن برحمة الله.
ولولا يقيننا هذا لمزّق الأسى قلوبَنا على أنفسنا وعلى الآخرين.
يقول اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس:
قلت لشجرة اللوز : حدّثيني عن الله يا أختاه، فأزهرت شجرة اللوز.

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون