حملت جولة الأمير محمد بن سلمان إلى دول الخليج عدة رسائل هامة حملت عنوان “ترميم وإعادة بناء العلاقات الخليجية” والتحرك نحو أفق دبلوماسي أكثر انسجاما مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، فهي أول جولة خليجية لولي العهد السعودي إلى بلدان مجلس التعاون في ظل ولاية الرئيس الأميركي جو بايدين، كما أنها الأولى أيضا منذ أزمة قطر 2017، وإتجاه بلدان الأزمة إلى تبني مسار جديد في الانفتاح على الخصوم الإقلميين وعلى رأسهم إيران وتركيا.
وركزت ملفات المحطات الخمس للجولة الخليجية التي بدأت بمسقط واختتمت بالكويت، على وحدة الصف الخليجي وتفعيل العمل المشترك تجاه القضايا الإقليمية والدولية واستثمار التفاهمات والتقارب العربي الراهن نحو مزيد من العمل على المستوى الثنائي من خلال آلية مجالس التنسيق المشترك التي فعلتها الدبلوماسية السعودية خلال السنوات الأخيرة.
وأكدت اصداء الزيارة على أنها تمثل تعبيرا عن قوة مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا السياق، أكد أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، أن جولة ولي العهد السعودي في دول المجلس، تأتي انطلاقاً من العلاقات التاريخية الممتدة التي تربط السعودية بشقيقاتها دول الخليج العربية، وتعزيزاً للآمال والتطلعات وترسيخاً للعلاقات المتميزة والوثيقة التي تجمع شعوب دول المجلس، ودفع وتيرة التعاون وتطوير آلياتها في جميع الميادين.
وأضاف أن توقيت الجولة الخليجية الذي يأتي قبيل انطلاق أعمال الدورة الـ42 للمجلس الأعلى الأسبوع القادم “إنما يعكس ما سيُطرح من مواضيع ستؤدي بالتأكيد إلى مضاعفة الجهود في مجالات العمل الخليجي المشترك لخدمة المواطن الخليجي، وتدشين العقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون المباركة التي تشهد نهضة تنموية طموحة تحافظ على المكتسبات والمنجزات، وتبني للمستقبل وتحفظ لمجلس التعاون ودوله ومواطنيه الأمن والاستقرار والرخاء، وتعزز مكانته الإقليمية والدولية كصوت للحكمة والسلام”.
من جهته، أكد الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي أن جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بدول مجلس التعاون الخليجي هدفها تعزيز مسيرة العمل الخليجي. وقال الأمير فيصل بن فرحان، عبر حسابه الشخصي، إن “جولة ولي العهد السعودي إلى دول مجلس التعاون الخليجي عبّرت عن مفهوم الخليج الواحد، والمصير المشترك، وتوقيتها جاء لتعزيز مسيرة العمل الخليجي والدفع به نحو آفاق أرحب.”
الكويت.. إنطلاقة جديدة للتعاون الاستراتيجي
وقبل أيام قليلة ممن استضافة بلاده للقمة الخليجية المقررة منتصف الشهر الجاري، أختتم “بن سلمان”جولته الخليجية بزيارة الكويت، لتكون بذلك ثالث زيارة لولي العهد السعودي إلى الكويت، بعد زيارته الرسمية الأولى في مايو 2015، والثانية في سبتمبر 2018.
وجاءت زيارة ولي العهد السعودي تالية لزيارة ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى السعودية في يونيو الماضي (2021)، كأول زيارة عقب تزكيته وليا للعهد في السابع من أكتوبر من العام الماضي، وذلك تلبية لدعوة الأمير محمد بن سلمان، كما وقعت الكويت والسعودية عام 2018 محضر إنشاء مجلس التنسيق الكويتي-السعودي ليكون بمثابة انطلاقة جديدة في التعاون القائم والمتنامي بين البلدين نحو مزيد من التكامل والتنسيق والاستغلال الأمثل للموارد وتعزيز التعاون الأمني والعسكري والسياسي، وعقد المجلس اجتماعه الأول في يونيو 2021، وقد جاء ذلك بعد توقيع اتفاق تاريخي بين البلدين لحل مشكلة توقف الانتاج النفطي بالمنطقة المحايدة أو المقسومة من الحدود بين البلدين العام الماضي.
واستقبلت الكويت ولي العهد السعودي بحفاوة بالغة، حيث كان ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في مقدمة مستقبلي الأمير محمد بن سلمان، ثم استقبل أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، بن سلمان في قصر بيان، كما قلّد أمير الكويت ولي العهد السعودي قلادة “مبارك الكبير ووسام الكويت”.
وبالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي، نظمت غرف تجارة وصناعة الكويت واتحاد الغرف التجارية السعودية، ملتقى الأعمال الكويتي السعودي بمشاركة من جهات حكومية وخاصة وأصحاب الأعمال في البلدين.
واستعرض الملتقى المناخ الاستثماري في الكويت ورؤية الكويت 2035، فيما قدم الجانب السعودي عرضا حول فرص الاستثمار في الطاقة المتجددة والمياه وفرص الاستثمار العقاري في المملكة، إضافة لورقة عمل عن التكامل الخليجي في مجال الصناعات الكيميائية.كما شهد الملتقى توقيع 6 اتفاقيات شراكة ثنائية بين شركات سعودية وكويتية في مجالات التصنيع والطاقة والإنشاءات الهندسية والمقاولات.
وحصل الأمير محمد بن سلمان في الكويت على أرفع تكريم، حيث منحه أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد، قلادة مبارك الكبير ووسام الكويت. وقال أمير الكويت خلال تقديم القلادة إلى ولي العهد السعودي “نحن أخوة وأسرة واحدة، وهذه أغلى ما عندنا أقدمه لك”. ورد ولي العهد على أمير الكويت قائلا: “أغلى ما عندنا نشوفك بصحة الله يسلمك، هذه غالية لكن أغلى شيء عندنا نشوفك بصحة، اللّه يطول عمرك”.
دعم سعودي متجدد لمملكة البحرين
كانت البحرين المحطة قبل الأخيرة في جولة الأمير السعودي، وأكد خلالها على تطابق مواقف البلدين تجاه القضايا الاقليمية والدولية، كما جدد التأكيد على دعم بلاده المتواصل إلى مملكة البحرين، وقال الأمير محمد بن سلمان وهو يخاطب ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، إنه “لا بد من العمل مع جيراننا للتأكد من أن وضعهم مميز مثل السعودية، خصوصاً الأقرب على قلوبنا من التاريخ البحرين الله يطول عمرك”.
وأكدت السعودية دعم خطة برنامج التوازن المالي لمملكة البحرين ورحبت بالجهود المبذولة من حكومة البحرين في تنفيذ البرنامج، ورحب الجانب البحريني باستهداف صندوق الاستثمارات العامة في المملكة واستثمار (5 مليارات دولار) في مملكة البحرين، بحسب بيان مشترك.
أكد الجانبان خلال البيان المشترك، في ختام زيارة الأمير محمد بن سلمان، عزمهما على تعزيز التعاون تجاه كافة القضايا السياسية وبلورة مواقف مشتركة تحفظ للبلدين الشقيقين أمنهما واستقرارهما، وأهمية استمرار التنسيق والتشاور إزاء التطورات والمستجدات في كافة المحافل الثنائية والمتعددة الأطراف. وأعرب الجانبان عن ارتياحهما للتعاون القائم بين البلدين، وأكدا استمرار التعاون في تعزيز العمل المشترك، وفي هذا الإطار أطلق الجانبان عددًا من المبادرات في مجالي التعاون الأمني والعسكري، وكذلك تعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني الذي تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون فيه. وأكد الجانبان تمكين فرص التكامل الاستثماري بين البلدين وتعزيزها نحو استثمارات نوعية ومبادرات ذات قيمة مضافة، ووجه المجلس اللجان المعنية بالإسراع في استكمال الدراسات اللازمة الخاصة بالربط البري وشبكة الخطوط الحديدية بين البلدين.
قطر.. مجلس تنسيقي بين الدوحة والرياض
زار قطر في ثالث محطاته الخليجية، حيث ترأس مع أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المجلس التنسيقي السعودي-القطري. وتم التوقيع على البروتوكول المعدل لإنشاء المجلس في أغسطس الماضي، على أن يكون برئاسة الأمير محمد بن سلمان والشيخ تميم بن حمد، من أجل العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
استهدفت الزيارة تصفية الأجواء الخليجية وفي سبيل ذلك تردد الحديث حول قيام ولي العهد السعودي بدور وساطة للمصالحة بين قطر والبحرين، بحسب مراقبين.
وصرح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ستعمق الروابط القوية، خاصة في ظل ظروف المنطقة.وأضاف الشيخ تميم أن علاقات الأخوة والتعاون مع السعودية تقوم على أسس راسخة من المصير المشترك، مشيرا إلى أنه ناقش مع الأمير محمد بن سلمان سبل تعزيز التعاون بين البلدين.وقال الشيخ تميم: “أكدنا مع الأمير محمد بن سلمان حرصنا على دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والإقليم”.
وتعليقا على الزيارة، قال المحلل السياسي القطري صالح غريب لوكالة فرانس برس، أن زيارة الأمير محمد بن سلمان هي الأولى إلى قطر منذ أزمة المقاطعة عام 2017، معتبرا أن المصالحة بين الدوحة والرياض انتهت في بداية العام عندما شارك أمير دولة قطر في قمة العلا، ثم جاءت الزيارات التي قام بها الأمير تميم إلى السعودية بعد ذلك، وجاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان بعد لقاء هام جمعه مع الأمير تميم والشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي في منطقة نيوم بالبحر الأحمر.
وتابع غريب “العلاقة السعودية القطرية في تطور أفضل مما كانت عليه حتى قبل الأزمة الخليجية، وبمتابعة الجولة الخليجية للأمير محمد بن سلمان، هناك اهتمام بمزيد من التلاحم الخليجي في مجلس التعاون.. والقمة الخليجية مقبلة ولابد ان تكون هناك تصفية للنفوس ولابد أن تكون هناك مصالحة، وقادتها المملكة العربية السعودية التي نعتبرها شقيقة كبرى للمنطقة، وكل دولة لها سياساتها ولكن في النهاية نتفق في مجلس التعاون حول وحدتنا الخليجية واصلاح مجلس التعاون الخليجي، والأن يتردد في قطر حول المصالحة التي تأخرت كثيرا مع مملكة البحرين”.
ونشرت حسابات قطريين على تويتر عبارات تحمل الترحيب بولي العهد السعودي في “بلده الثاني”، وأشاد مكتب التواصل الحكومي السعودي بترحيب القطريين استقبالا لولي العهد محمد بن سلمان خلال، القائلة “مرحب بالغالي ابن الغالي، في ديرته الثانية”.ونشرت صفحة التواصل الحكومي بالسعودية، مقطع فيديو عبر تغريدة في حسابها على “تويتر”، أظهر تصريحات أدلى بها قطريون استقبالا بولي العهد السعودي.
وتزامناً مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى دولة قطر، نظم اتحاد الغرف التجارية السعودية وغرفة تجارة وصناعة قطر، فعاليات ملتقى الأعمال السعودي القطري، بمشاركة كبيرة من الجهات الحكومية والخاصة وأصحاب الأعمال في البلدين، إذ تركزت المباحثات الاقتصادية على فرص التعاون المشتركة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية المتاحة بين المملكة وقطر.
الإمارات.. تعاون استراتيجي ممتد
تناولت جلسة المباحثات التي عقدها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والشيخ محمد بن زايد، وولي عهد أبوظبي، مختلف جوانب التعاون الاستراتيجي بين البلدين والذي يرتكز على مقومات راسخة من التفاهم والتعاون والعمل المشترك والمصالح المتبادلة. وأكد الجانبان أهمية تفعيل العمل الخليجي والعربي المشترك وعدداً من القضايا والملفات الإقليمية والدولية التي تهمّ البلدين، مؤكدين ضرورة العمل على ترسيخ أركان الاستقرار الإقليمي الذي يشكّل القاعدة الرئيسية المشتركة للتنمية والبناء والتقدم.
كما تناول الجانبان في جلسة المباحثات التي عقدت في أبوظبي، أهمية تفعيل العمل الخليجي والعربي المشترك، وعدداً من القضايا والملفات الإقليمية والدولية التي تهمّ البلدين، مؤكدين ضرورة العمل على ترسيخ أركان الاستقرار الإقليمي الذي يشكّل القاعدة الرئيسية المشتركة للتنمية والبناء والتقدم.
منذ 2016 تم تفعيل مجلس التنسيق الاستراتيجي المشترك بين البلدين وهو أقدم المجالس التنسيقية بين السعودية ودول الخليج، وتعد السعودية الشريك التجاري الأول للإمارات على مستوى الدول العربية، والثالث على المستوى العالمي، وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الجانبين في النصف الأول من عام 2021 نحو 61.7 مليار درهم (16.7 مليار دولار) بنسبة نمو 32.5% مقارنةً بالنصف الأول من عام 2020.
وعلى هامش زيارته إلى دولة الإمارات، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مقر إكسبو في دبي، حيث كان في استقباله نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.وقال الشيخ محمد بن راشد “التقيت اليوم أخي الأمير محمد بن سلمان في إكسبو دبي 2020.. وسيكون العالم على موعد مع إكسبو الرياض 2030، باذن الله وبجهود الأمير محمد”.وأضاف “أكدت للأمير بأننا نتطلع أيضاً لقمة الرياض القادمة.. وشعوب الخليج تنتظر منا أفكار ومشاريع جديدة وعظيمة”.
عمان.. علاقات أخوية ومصالح مشتركة
تُوجت زيارة ولي العهد السعودي لسلطنة عمان بالتوقيع على خمس مذكرات تفاهم في المجالين التجاري والإعلامي، من ضمنها مذكرتا تفاهم تتعلقان بتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات التجارية، والتقييس والمواصفات والجودة والقياس والمعايرة والمختبرات.
وبمناسبة الزيارة التاريخية، كرَّم سلطان عمان هيثم بن طارق ضيفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومنحه وسام عُمان المدني من الدرجة الأولى اعتزازاً بالروابط الأخوية والعلاقات الممتازة والتعاون البناء، والذي يعدّ أحد أرفع الأوسمة العُمانية ويُمنح لملوك ورؤساء الدول وأولياء العهد ورؤساء الحكومات. كما أقام السلطان مأدبة غداء تكريماً لوليّ العهد، والوفد السعودي المرافق.
تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، رسالة خطية، من سلطان عُمان هيثم بن طارق، تتعلق بالعلاقات الثنائية الأخوية المتينة والوطيدة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات وعلى الأصعدة كافة.وتسلم الرسالة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، خلال استقباله، وزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد البوسعيدي، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض اليوم الإثنين.
حفظ الله السعودية ودول الخليج والوطن العربي أجمع.