تفاهة الرعب من التفاهة

يُنفق السواد الأعظم من ساكني مستوطنات السوشيال ميديا جُل أوقاتهم في النميمة بأنواعها؛
هذا الفنان يلبس فستانا، وتلك الفنانة تدمن الماريوانا، وذاك السياسي التباسي، وذينك الوزيرة تشبه حنتيرة..
وأما هذا الثنائي فقد شوهد يتسوق في دبي رغم ادعائه الفقر أمام مصلحة الضرائب، بينما شوهد الثنائي الآخر في الساحل الشمالي مرتديا مايوهين متشابهين مطبوع عليهما (عجايب يا دنيا عجايب..
أما الطوفان الأكبر من التغريدات والبوستات والفيديوهات فهو عن الطبيخ بكل تنويعاته المستساغة والمقرفة، والموضة بكل أشكالها التقليدية والمتعجرفة..
فضلاً عن أطنان النكت السخيفة والقلش والهري والتنمر والإهانات وأبوك السقا مات، ومشاهد الڤيديو القصيرة التي تصطاد هذا الضحية أو ذاك وهما -يا عيني- يعبثان بالأنف أو بالأذن، وظنهما أنهما وحدهما، فإذا بكاميرا تليفون الوغد مقتحم الخصوصية شغالة، وإذا بالفيديو تريند، والضحية مفضوحاً بين أهله وناسه.
وولدى معظم سكان سوشاليستان ولع خاص بطرح الخطط البديلة لإدارة مباريات كرة القدم والاقتصاد العالمي وحرب الروس والأوكران..
وهي خطط يطرحونها بكل ثقة رغم أنهم لا يملكون أي مؤهل أو خبرة في تلك المجالات التي تتراوح بين توزيع اللاعبين في الملاعب وسُبل مواجهة الضغوط التضخمية الناتجة عن انقطاع سلاسل توزيد السلع..إلخ
وحتى حينما لا يجد السوشاليستاني من هؤلاء قلشة أو تنمراً أو نظرية مؤامرة أو خطة بديلة لإدارة ميسّي ونيمار ورونالدو في الملاعب..فإنه يعز عليه التزام الصمت ولو لنصف ساعة، بل يكتب أو يسجل تسجيلا صوتيا أو مرئياً يقول للعالم فيه:
إيه الملل ده! أعطني أيها العالم شيئاً أطحنه بأضراس مخي المسوسة، وكلما كان تافهاً كان أجمل وأشهى وألذ.
..
هذا نصف المفارقة.
نصفها الثاني هو تحول صناع التفاهة هؤلاء أنفسهم إلى كائنات مرهفة عمييييقة الوجدان، عمييييقة الأمخاخ والأذهان إذا ما رصدوا على شاشة تلك الفضائية أو تلك مذيعة تافهة أو مقدم برامج سطحياً..
ساعتها تقوم قيامتهم، ويثور غضبهم، ويتصاعد خوفهم من أن تصيبهم -حفظ الله أعماقهم العميقة ورعاها لهم- عدوى التفاهة والسطحية، مما قد يقلل ولو بعض الشيء من الأغوار الفكرية العميقة التي يحلو لهم كتابة البوستات عنها، أو تصوير الفيديوهات لتحليلها.
..
سكان مستوطنات سوشاليستان أمم مثلنا، لكنهم ضحايا مفارقة عجيبة جدا؛
ينتقدون أغاني المهرجانات ويدمنون سماعها.
يتنمرون على المذيعات التافهات ويقلدونهن (بوسي يا بنت إيد سيدك الراجل، وكلميه بصوت شتوي لامؤاخذة..وكده!)
يتهمون اللاعبين المحترفين بالكسل، بينما كروشهم أمامهم متراً أو بعض متر.
بطالبون علنا بحجب المواقع (المفضوحة) وهم يبحلقون فيها كلما انفردوا بأنفسهم.
لدى كل واحد منهم الحل المثالي لمشاكل مصر الاقتصادية، رغم عجزه هو شخصياً عن إدارة كشك حاجة ساقعة.
..
السؤال المهم هنا هو:
لماذا يُعلن التافهون رعبهم المبالغ فيه من تفاهة بعض المذيعات.
رغم أن الجميع سواء في التفاهات، وخصوصاً يوم التلات.
(وده مجرد سجع تافه، ومفيش حد أحسن من حد.)

أضف تعليق

Your email address will not be published.

آخر المقالات من عرب تريبيون